تكلّمنا سابقاً عن دخول الخطيه الى العالم (رومية5: 12)، وتكلّمنا أيضاً عن دخول الناموس (رومية5: 20) الذي طلب ثمناً من الذين فشلوا في حفظه، وكان هذا الثمن هو الموت. وهكذا كان لا بد من دخول المسيح إلي العالم، وكان لا بد له أن يشترك معنا في اللحم والدم بظهوره في الجسد، دون أن يشترك معنا في طبيعتنا الساقطة، لكي يستطيع أن يذوق الموت ويفتدي الذين تحت الناموس (غلاطية 4: 5)، وأيضاً يفتدينا نحن الأمم البعيدين ويصيرنا قريبين بدمه (أفسس2: 11-13).
والحقيقة أن هناك أسباباً كثيرة جداً من دخول المسيح إلي العالم، نذكر منها:
- لأنه قد جاء ملء الزمان
«ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس» (غلاطية4: 4).
فقد تعامل الله مع الإنسان بطرق متنوعة وأساليب مختلفة وكل طريقة من هذه الطرق كان لها فترة زمنية محدودة وهذه الفترة تسمّي «تدبير»، وكل تدبير يتميز بطابع معيَّن فيه يتعامل الله مع الإنسان بمبادئ معينة.
- التدبير الأول: تدبير البراءة
حيث جبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ووضعه في جنة رائعة، أنبت الرب فيها كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وكان هناك نهر وسط الجنة وينقسم من هناك إلي أربعة أنهار. يا للعز والروعة! فلقد أحاطت به ظروف جيدة جداً، تساعده علي الطاعة، إذ جعله الرب سيداً علي كل الخليقة، وأعطاه وصية واحدة، فقط وهى أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. لكن الشيطان أتي بكلام آخر لحواء (تكوين 3)، والتي قطفت من ثمر الشجرة، وأكلت ثم أعطت زوجها، فأكل معها. وانتهى هذا التدبير بدخول الخطية، وطرد الإنسان من الجنة، فأصبح الإنسان يكره الله ويخاف منه، وأيضاً أصبح فاقداً للقدرة على طاعته. ولا نعرف مدة هذا التدبير، لكنه بالتأكيد كان قصيرأ.
- التدبير الثاني: تدبير الضمير
وهذا التدبير استمر حوالي 1650 عاماً، ويبدأ بسقوط آدم ووجود الضمير في الإنسان، والذي يعنى قدرته على التمييز بين الخير والشر. وترك الله الإنسان لصوت ضميره. لكن للأسف كان الإنسان قاتلاً، ونرى ذلك فى قايين الذى ذبح أخاه. وعمل الشيطان فى هذا التدبير على غواية الإنسان بطرق متعددة، فأغواه بالسعي وراء رزقه مقنعاً إياه بأن العمل عبادة (تكوين4: 20)، وأغواه بعالم الفن والطرب (تكوين4: 21)، وأغواه بالاختراعات الكثيرة (تكوين4: 22). ونسمع، قُرب نهاية هذا التدبير، قول الله لنوح: «نهاية كل بشر قد أتت أمامي، لأن الأرض امتلأت ظلماً منهم، فها أنا مهلكهم مع الأرض» (تكوين6: 13). وانتهى هذا التدبير بالطوفان. .
- التدبير الثالث: تدبير الحكومات
ويبدأ من بعد الطوفان، حيث نرى أولاد نوح الثلاثة: ساماً وحاماً ويافث، والذين منهم تشعبت كل الأرض، أصبحوا رؤساء، كل واحد منهم لجنس معين. وأعطى الله نوح وأولاده قوانين في تكوين9. تاركاً أمامهم مشهد الطوفان الرهيب، ليتذكروا دائماًدينونة الله المرعبه ضد الخطية. وانتهى هذا التدبير بأن بَلبَل الله لسانهم، حتى لا يفهم بعضهم بعضاً، وهكذا تشتّتوا من هناك على سطح الأرض كلها.
- التدبير الرابع: تدبير الآباء
مع بداية هذا التدبير فإن الله اختار أبرام وعائلته، فأخرجه من أرضه وعشيرته، وأسكنه فى أرض غريبة. ويشمل هذا التدبير أيضاً إسحاق ويعقوب ويوسف، وانتهى بموسى. وفي هذا التدبير نكتشف أيضاً فشل الإنسان، حتى أن إبراهيم نفسه، رجل الإيمان، لم يستطع أن ينتظر مواعيد الله ونفذ صبره وتزوَّج. وانتهى هذا التدبير بطلب الشعب للناموس ثم كسرهم له أسفل جبل سيناء.
- التدبير الخامس: تدبير الناموس
ويبدأ هذا التدبير - كما أشرنا الآن - بطلب الشعب للناموس إذ قالوا: «كل ما تكلم به الرب نفعل» (خروج 19: 8). وهكذا أعطاهم الله الناموس. وكما فشل الإنسان خلال جميع التدبيرات السابقة، هكذا فشل في هذا التدبير، وأصبح مجرماً، كقول يعقوب فى رسالته «لأن من حفظ كل الناموس وإنما عَثر فى واحدة فقد صار مجرماً فى الكل» (يعقوب2: 10).
استمر هذا التدبير حوالى 1500 عاماً، وقرب نهايته جاءت لحظة ملء الزمان؛ والتي تعني أن الزمان امتلأ من امتحان الإنسان بطرق مختلفة فى تدابير متعاقبة، وأنه قد فشل فى جميع الامتحانات، وثبت فساده وعجزه التام. لذلك، كما نفهم من غلاطية4: 4 أن الله، فى الوقت المعيَّن، أرسل ابنه. ومعنى ذلك أن ابنه كان موجوداً عنده منذ الأزل، وظلت الأجيال تترقب وتنتظر «نسل المرأة»، إلي أن جاء «الوقت المعيَّن» (رومية5: 6)، الذى هو ملء الزمان، وجاء الله الظاهر فى الجسد، لا فى صورة مَلَكية عظيمة بل فى صورة الاتضاع. «الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسةًً أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً فى شبه الناس» (فيلبى 2: 6،7).
ولحديثنا عن دخول المسيح بقية