مرة أخرى صديقي القارئ نلتقي، متأملين في صفات وكمالات أعظم شخص وُجِدَ تحت الشمس، والذي لا يوجد شخص آخر يشبهه - ولو من بعيد - في أي شيء.
في الأعداد السابقة كانت لنا بعض التأملات في بعض أعضاء جسد ربنا المعبود كالرأس والعينين والفم واليدين، والتي فيها رأينا الكمال في الأعمال والأقوال والنظرات. واليوم نصل إلى..
قدما الرب
في سفر نشيد الأنشاد 5: 10- 16 توجد صفات «للحبيب»، تبدأ من الرأس الموصوفة «بالذهب الإبريز»، وتنتهي بالساقان المؤسستان على قاعدتين من إبريز؛ لاحظ أنه من الرأس للقدمان ذهب خالص، هذه الصفات التي لا تنطبق إلا على شخص ربنا يسوع.
وفي دانيآل 2: 31-45 يصف ممالك العالم، في صورة تمثال رآه نبوخذ نصر في حلمه، يبدأ بالرأس من ذهب والصدر والذراعين من فضة ثم البطن والفخذين من نحاس ثم الساقين من حديد والقدمين من حديد وخزف (أي تراب)؛ لاحظ أن الرأس من ذهب لكنه ينتهي بالتراب ثم الفناء. وهذا هو الإنسان الموصوف في إشعياء 1: 6 بدءاً من القدم - لأنه ترابي لذا يبدأ بالجزء الملاصق للأرض - إلى الرأس فيقول «مِن أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة». والآن لنتحول عن الإنسان وممالك العالم ونتأمل معاً في: «قدماه».
قدمان ثابتتان
الثبات من الأشياء التي تُكلمنا عنها القدمان. إنه ثبات القصد والغرض في حياة المسيح. الحياة التي بدأت بالتجسد وانتهت بالصليب كان فيها للرب غرض وقصد وهدف محدد جاء لأجله من السماء، وفي طريقه لإتمام العمل كان ثابتاً، رغم كل ما تعرض له من الإنسان ومن الشيطان لإثناء عزمه؛ لكنه ثبّت وجهه وانطلق، وفي الطريق أعلنها مراراً «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمِّم عمله» (يوحنا 4: 34). واحتمل الكثير من الآلام والمضايقات والاتهامات الباطلة. احتمل البغضة بلا سبب رغم محبته المترفقة، لم يقبلوه وطلبوا منه أن ينصرف من تخومهم (متى 8: 34)، وفي النهاية كان الصليب بآلامه وأهواله؛ ورغم كل هذا كان ثابتاً ولم يتزعزع.
قدمان سائرتان
قيل عن الرب يسوع «الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس» (أعمال 10: 38). كم من المسافات الطويلة قطعها في السفر سائراً على رجليه ماراً بتخوم اليهودية والسامرة والجليل. لقد تعب كثيراً وهو يمشي من مدينة إلى مدينة، وفي كل مدينة من شارع لشارع، وفي كل شارع من بيت لبيت. لم يكن يجول ليطلب لنفسه مجداً، ولا ليجمع لنفسه جمهوراً من التابعين المؤيدين. بل في الخفاء يصنع الخير الكثير، وكثيراً ما أوصى أن لا يظهره أحد. كان يمشي باحثاً عن المساكين ليبشِّرهم والمنكسري القلوب ليشفيهم وللمأسورين ليطلقهم (لوقا 4: 18). كان يبحث عن إنسانة نجسة ليطهرها - كالسامرية - وعن شخص ميت ليقيمه - كلعازر - وعن شخص امتلكته الشياطين ليحرره - كمجنون كورة الجدريين.
قدمان مثقوبتان
إلى أي حد بلغت كراهية الإنسان لشخص أحب بلا حدود! ومن يصدِّق هذا: أن قدمين سعتا لخير الإنسان وتعبتا كثيراً وقطعتا الأميال ذهاباً وعودة؛ تكون هذه مكافأتهما: أن تُثقبا وتسمّرا على الصليب؟!
ولكن في وسط هذا الجو المشحون برفض المسيح، نقرأ عن إكرام لهاتين القدمين وإن كان قليلاً جداً. فلا يوجد في الكتاب - تقريباً - إلا حادثتين من هذا القبيل. الأولى امرأة تغسلهما بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها (لوقا 7: 36-48) والثانية من امرأة أيضاً دهنتهما بطيب خالص كثير الثمن (يوحنا 12: 3-8).
قدمان دائستان ساحقتان:
إن المسيح المُحتقَر اليوم من الكثيرين، كما كان في حياته وصلبه، سيأتي اليوم الذي فيه سيُكرَم من الجميع وأمام الجميع. يوم أن يتم المكتوب «لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض» (فيلبي 2: 10)؛ وأيضاً «أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب» (مزمور 72: 9). وهاتان القدمان سيُخضع كل شيء تحتهما (عبرانيين 2:8)، واللتان رأيناهما في نشيد 5 «عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز» سنراهما في يوم الدينونة القادم «شبه النحاس النقي كأنهما مُحمّيتان في أتون» (رؤيا 1: 15)، وبهما سيدوس الأعداء الرافضين في مشهد مريع ومرعب يوصف بـ«معصرة خمر سخط وغضب الله» (رؤيا 19: 15).
صديقي القارئ:
إن دم المسيح الذي سال من قدميه - كما من يديه وجنبه ورأسه وظهره - كافٍ لتطهيرك من كل خطاياك إن أنت أتيت قابلاً المسيح بالإيمان مُقبِّلاً هاتين القدمين اللتين سعتا وراءك لإرجاعك؛ وإلا فبذات القدمان ستُداس وتُسحق في يوم غضب لا يحتمله أحد.