هو أحد رفقاء الرسول بولس الأمناء الذين شاركوه جهاده وآلامه وخدمته. وقد ذكره لوقا - كاتب سفر الأعمال - ثلاث مرات (أعمال 19: 29؛ 20: 4؛ 27: 2). وذكره الرسول بولس مرتين (كولوسي 4: 10؛ فليمون24). ومما وُصف به أرسترخس نستطيع أن نكوِّن فكرة عن هذا الشاب المسيحي بحق.
أرسترخس... رجل مكدوني (أعمال 19: 29)
مكدونية هي الجزء الشمالي من بلاد اليونان. ومعنى الاسم "أرض رحبة"، وهي تذكِّرنا بالنعمة الإلهية والفرح العميق والسخاء في العطاء «ثم نعرِّفكم أيها الإخوة نعمة الله المُعطاة في كنائس مكدونية، أنه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفُور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم» (2كورنثوس 8: 1 ،2). وهذا ما يجب أن يتميز به المؤمن المسيحي: الفرح رغم الضيق، والسخاء رغم الفقر.
أرسترخس... من تسالونيكي (أعمال 20: 4)
وتسالونيكي معناها "النصرة علي الكذب"، وتذكِّرنا بالمؤمنين الذين رجعوا إلى الله من الأوثان، ليعبدوا الله الحي الحقيقي، وينتظروا ابنه من السماء (1تسالونيكي 1: 9 ،10). فتسالونيكي إذًا تحدِّثنا عن التحول من الزيف إلى معرفة الحق، وليس ذلك فقط، بل تحدِّثنا عن انتظار تحقيق الرجاء المبارك بمجيء الرب إلينا، ورسالتا تسالونيكي تحدثاننا بصورة ملفتة عن مجيء الرب.
أرسترخس... رفيق بولس في السفر (أعمال 19: 29)
ونحن نلاحظ أن اسم أرسترخس لا يُذكر بالارتباط مع أشخاص عالميين أبدًا. فالتكريس للرب ولخدمته يتطلب اختيار رفقائنا جيدًا. وهكذا نحن نحتاج أن نلاحظ أولئك الذين يتبعون الرب بأمانة ونطلب صحبتهم «رفيق أنا لكل الذين يتقونك ولحافظي وصاياك» (مزمور 119: 63) «المساير الحكماء يصير حكيمًا، ورفيق الجُهَّال يُضَرُّ» (أمثال 13: 20). فيا ليتنا نطيع التحريض «اتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي» (2تيموثاوس 2: 22).
ونلاحظ أن «بولس» يمثل الحق الإلهي «كلمة الله»، فقد استخدمه الرب في إعلان الكثير من الحق في كلمة الله. فما أحرانا إذًا أن نكون "رفقاء بولس في السفر"، أي أن نتمسك بصورة الكلام الصحيح الذي يمثله بولس (2تيموثاوس 1: 13-18).
أرسترخس... العامل لملكوت الله (كولوسي 4: 11)
لم يخبرنا الرسول بولس عن تفاصيل عمل أرسترخس، ولكن أن يكون عاملاً مع الرسول بولس فهذا يعني استعداده لخدمة الرب بأية طريقة، والهدف هو تقدُّم الإنجيل (فيلبي 1: 12). والخدمة العظيمة ليست هي التي تظهر لها المظاهر العظيمة هنا لأن الله كثيرًا ما يسمح أن لا تكون لخدماتنا نتائج ظاهرة لكي يختبر إن كنا راضين أن نسير بالاختفاء أم لا، ولكن الخدمة العظيمة هي أن نجد سرورنا في إرضاء سيدنا «أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت» (مزمور 40: 8)، وباب هذه الخدمة مفتوح أمام كل واحد منا، الصغير والضعيف كالقوي وصاحب المواهب.
أرسترخس... الذي صار لبولس تسلية (كولوسي 4: 11)
وهذه الصفة الرقيقة، تسلية (أو تعزية)، تشير في أصل معناها إلى كونه ملطِّفًا كالبلسم الذي يوضع لكي يخفف الالتهابات ويهدئها. فمع أن الرسول بولس كان خادمًا عظيمًا للمسيح إلا أنه كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا، معرَّضًا للضغوط والمتاعب، ولذلك فرفيق مثل أرسترخس كان لازمًا له، ليستخدمه الرب لتشجيعه على الاستمرار في خدمته. وهناك الكثير من القديسين حولنا لهم أحزان وأوجاع كثيرة، ونفعل حسنًا أن نستخدم ماء الكلمة بلطف للتطهير والتسكين والإنعاش والتعزية (يوحنا 13: 3-17).
أرسترخس... المأسور مع بولس (كولوسي 4: 11)
وليس معنى هذا بالضرورة أنه كان مسجونًا في نفس المكان الذي كان فيه الرسول بولس، ولكن العبارة تعني أنه «أسير يسوع المسيح» أو «المأسور في الرب» - في خدمته وفي طاعته - وأنه تألم من أجل المسيح واحتمل آلامًا مثل الرسول بولس الذي كثيرًا ما أفتخر بأنه«أسير يسوع المسيح». ولعل أرسترخس - طواعية واختيارًا - ربط نفسه برجل الله بولس الرسول، وحاول أن يشاركه سجنه ليتمكن من خدمته في ظروف سجنه ومرضه وشيخوخته، فيا للرقة! ويا للعواطف! أيها الشاب المسيحي «أما الشيوخ المدبرون حسنًا فليُحسبوا أهلاً لكرامةٍ مضاعفةٍ، ولاسيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم» (1تيموثاوس5: 17).
أرسترخس... المتألم لأجل المسيح (أعمال 19: 29)
فنحن نقرأ عن أرسترخس لأول مرة في أعمال 19: 29 عندما خطفه الغوغاء الأفسسيون الثائرون أثناء الفتنة التي أحدثها ديمتريوس الصائغ ورفقاؤه من أجل الآلهة أرطاميس. ولقد نال أرسترخس الشرف بمشاركة البعض الذين يتألمون لأجل المسيح، وياله من امتياز! ولكن ما أجمل ما قيل للأفسسيين فيما بعد عن أرسترخس وغايوس المكدوني «هذين الرجلين... ليسا سارقي هياكل، ولا مجدفين على آلهتكم» (أعمال 19: 37).
أيها الأحباء.. لنتذكر أنه «قد وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله » (فيلبي1: 29) ولكن احترزوا أن «لا يتألم أحدكم كقاتل، أو سارق، أو فاعل شر، أو متداخلٍ في أمور غيره» ولكن«كمسيحي» (1بطرس4:15 ،16). ويا له من أمر عظيم بالحق ألا نتألم قط إلا لكوننا مسيحيين، أي مثل المسيح. وعندما تأتينا هذه الآلام لنحسبه كل فرح لأنه «كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين» (1بطرس 4: 13).
أرسترخس... وفضيلة ضبط النفس والتعفف ومعنى اسم أرسترخس "أحسن حاكم" ولا يوجد ما يفيد أنه حكم على أية مدينة أو حتى بين شعب الله، فإن أفضل حاكم هو الذي له السلطان والسيطرة والسيادة على ذاته، ومن لا يستطيع أن يضبط نفسه وينتصر على رغباتها ويتغلب على حبها للملذات، فهو مغلوب دائمًا «البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال 16: 32)، وعلى النقيض من ذلك «مدينة منهدمة بلا سورٍ، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه» (أمثال 25: 28).
وكم من جبابرة قهروا ممالك ولكنهم انهزموا في محاولة ضبط أنفسهم، ولكن يجب على كل مؤمن مسيحي أن يضبط نفسه في كل شيء ويقمع جسده ويستعبده (1كورنثوس 9: 24-27) معتمدًا اعتمادًا كاملاً على أن الروح المقدس فينا، والمسيح في السماء لأجلنا «وأما ثمر الروح فهو... تعفف (تعقل أو ضبط النفس) » (غلاطية 5: 22 ،23) و«أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني» (فيلبي 4: 13).
نعم.. كان أرسترخس شابًا مسيحيًا بحق.. ويا ليتنا جميعًا هكذا...