لم يكن أحد أسعد من چورچ، فهو شاب يحب الرب وكان يقوم بتوزيع الكتب الروحية، زوجته جيدة الفهم وجميلة الصورة، طفلتاه جميلتان تنميان في البُنيان والإيمان، بمرور الأيام. وكان له كُشك (أي محل صغير) في سوق المدينة التي كان يسكنها، يوفِّر له دخلاً ضئيلاً، لكن لأن الرب كان يبارك فيه فكان يكفيه. كانت الحياة تسير على ما يرام، حتى دخل هذا المرض اللعين فجأة على رب هذه الأسرة الهادئة الوادعة، فأخبره الطبيب بخطورة الحال، فانحنى عُودَه كالظل إذا مال.
يقول چورچ لن أستطيع أن أصف ما شعرت به في تلك الليلة الصعبة فنمت بين طفلتيَّ وأنا أحضنهما طوال الليل، وكأني أريد أن أشبع منهما قبل أن أتركهما.. شجّعتني زوجتي المؤمنة، فصلّينا معًا، وتقبّلنا الأمر الإلهي بشكر وصبر. وبدأت رحلتي مع التحاليل والأشعّات، والعقاقير والمهدئات. نصحوني بالسفر إلى الخارج لإجراء جراحات عاجلة. وفي المطار ودّعت أسرتي وإخوتي والأحباب، وبعد وقت قصير كانت الطائرة فوق السحاب. فأخذت يدي تبحث عن رفيقي في الغربة ألا وهو الكتاب المقدس، فتحته فوجدت وعد كريمًا يقول «أنا هو الباب» (يوحنا 10: 9). فأغمضتُ عينيَّ، ووضعت نفسي بين يدي الإله.. شعرت بسلام عميق، وأحسست بأني لست وحدي.
وكإنسان، رُحت أفكر وأفكر، فكان أمامي احتمالين لا ثالث لهما. الأول: إن رأى الرب أن رسالتي في الحياة أوشكت أن تنتهي، فذاك أفضل جدًا؛ وهو يعرف كيف يعتني بزوجتي وطفلتيَّ أفضل مني. الاحتمال الثاني: إن كان في العمر بقية، فعليَّ مراجعة حساباتي كلها، لكي أعيش الزمان الباقي أكثر أمانة وأكثر حبًا وتكريسًا لسيدي «الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غلاطية2: 02).
مكثت في الخارج لمدة شهرين، أُجريت لي خلالها الفحوصات والجراحات اللازمة. ثم نصحوني بالعودة إلى بلدي، على أن يرسلوا لي النتائج والتوصيات النهائية فيما بعد،رغم أني كنت قد التقطت عبارة قالها أحد الأطباء لزميله في غرفة العمليات، وهو يهمس له بالفرنسية، أنه لم يتبقَ لي من عمري سوى ثلاثة أشهر على أكثر تقدير.
عُدت إلى البيت، وفرح الجميع برجوعي، ثم قُلت في نفسي: “ماذا لو صَدَقَ الطبيب وانتهت حياتي فعلاً بعد هذه المدة؟” فقلت أعمل هذا: أقوم بتوزيع ثلاثين ألف إنجيل على أقاربي وأهلي والجيران في قريتنا وفي القرى النائية حولنا.. فأرسلت فعلاً للجمعية المسئولة، وطلبت هذه الكمية. انزعجوا في بادئ الأمر، فكتبوا للمسئولين في الكنيسة التي أنتمي إليها، لكي يستفسروا عن سِرّ هذه الطلبية الكبيرة، فأجابوهم بضرورة إرسالها بلا تأخير لأن الطالب أصيب بمرض خطير، ولم يتبقَ له من العمر إلا اليسير، ويريد أن يخدم الرب بهذه الطريقة.
وصلت الكتب فعلاً، وبدأت في التوزيع. وفي أثناء ذلك، جاءني تقرير المستشفى، بأنه لا توجد أية خطورة، وأنني أستطيع أن أواصل حياتي بطريقة طبيعية، ودون قلق أو خوف.. وابتهجت جدًا بالخبر، وفرح الجميع لي. واستمريت في تكريسي للرب، وإزداد تعلُّقي به وثقتي فيه، وأعتبرت أن كل يوم هو هدية منه، واكتشفت روعة الحياة، وصرت أقدِّر الوقت فهو غالٍ جدًا وثمين، ووضعت مشاكل الحياة في حجمها الطبيعي، وسعدت بالسلام النفسي، وأكتشفت الثروة الهائلة التي منحني إياها الرب وأنا لا أدري. وهي محبة الأخرين لي خاصة خلال محنتي. فمنهم من بَادر بحجز المستشفى ومَن حجز لي تذاكر الطيران، وإقامتي في شقة أحدهم بالخارج، والذين اهتموا بسداد إحتياجات أسرتي في غيابي، عدا الكثيرون الذين كانوا يصلّون من أجلنا ويتمنون كل الخير لنا.
أصدقائي الاعزاء:
- كم نحتاج، ونحن في مستهل عام جديد، أن نشكر الرب على نعمة الحياة ونردِّد في قلوبنا مع إرميا النبي «إنه من أحسانات الرب أننا لم نفنَ لأن مراحمه لاتزول، هي جديدة في كل صباح» (مراثي3: 22-23).
- ونشكره أيضًا على الخير والرحمة اللذين يتبعاننا كل أيام حياتنا (مزمور23: 6).
- بل ما أجمل أن نراجع حساباتنا ونسأل ماذا نحن فاعلون بالأيام والشهور والسنين؟ هل نعيشها للرب أم لغيره؟ ليتنا نقدِّر قيمة المكتوب «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة.» (أفسس5: 15-16).