4 - الإتــضـــــــــاع في عالم يتسم بالكبرياء والإعتداد بالذات والتفاخر بالأمور العالية، كان شخص ربنا يسوع هو المثال الرائع للإتضاع الحقيقي. وعندما نتأمل في قصة الحب العجيب التي أتت به من قمة المجد حتى الصليب، نعرف شيئًا عن هذا الإتضاع :
1 - قبل التجسد كان في أمجاده الإلهية ساكنًا في نور لا يُدنى منه (1تيموثاوس 6: 16) السموات وسماء السموات لا تسعه (1ملوك 8: 27). لكنه في نعمته الكثيرة نزل من السماء وجاء إلى الأرض في صورة إنسان متضع بحيث أمكن للإنسان أن يقترب منه ويتلامس معه.
2 - عندما اتضع ونزل من السماء لم يأتِ في صورة ملاك لكنه «وُضع قليلًا عن الملائكة» (عبرانيين 2: 9) وصار «في شبه الناس» (فيلبي 2: 7). فإن الملائكة أسمى من البشر من حيث الخلْق، فالملائكة مُقتدرون قوة لأنهم أرواح.
3 - لما جاء إلى العالم كإنسان لم يَعِش كأي إنسان بل وضع نفسه عن كل إنسان. على سبيل المثال : في مولده لم يكن له موضع في المنزل، فوضع في مذود الحيوان (لوقا 2: 7) وهذا ما لم يحدث مع أي إنسان فى كل التاريخ. في حياته قال عن نفسه «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه» (متى 8: 20). حتى أنه كان «يخرج ويبيت في الجبل الذي يُدعى جبل الزيتون» (لوقا 21: 37).
عاش فقيرًا حتى أن بعض النساء تبعنه وكن يخدمنه من أموالهن (لوقا 8: 3)
أخذ مركز العبد والخادم وهو السيد الجليل وكان شعاره «أنا بينكم كالذي يخدم» (لوقا 22: 27). حتى أنه مرة «قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان مُتزرًا بها» (يوحنا 13: 4،5). استعار مرة سفينة بطرس ليذيع منها كلمة الحياة (لوقا 5: 2،3). واحتاج يومًا أتانًا وجحشًا ابن أتان عند دخوله إلى أورشليم (متى 21: 2،3)، واستعار أيضًا عُلية مفروشة ليأكل فيها الفصح مع تلاميذه (مرقس 14: 12-15). وأخيرًا عند موته دُفن في قبر مُستعار (يوحنا 19: 41) وكلها تُرينا كيف كان مُحتاجًا حتى إلى الأشياء البسيطة. بعد موته لم يترك ثروة أو ممتلكات. لم يترك سوى ثيابه التي اقتسمها العسكر مُقترعين عليها.
4 - لقد ختم الرحلة بالصليب وهناك لم يَمُت موتًا عاديًا بل موت العار مُعلقًا على الصليب وهذه أحقر وأبشع الميتات. لقد كان فيه هذا الفكر، فكر الإتضاع والتنازل المستمر طوال حياته. وقد رضي بأن يعيش على الأرض في هذا الوضع المُحتقر دون أن يشكو أو يتذمر أو يبحث عن حقوقه لا باعتباره الله ولا حتى باعتباره إنسانًا. وكلما وضع نفسه كان يُحتقر ويُداس من الناس.
هل يمكن أن ننسى في وقت من الأوقات إتضاع المسيح؟ كلا. إن التأمل في اتضاعه يُنشيء فينا روحًا مُتضعة. وعندئذ نستطيع أن نردد كلمات المزمور «يارب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي ولم أسلك في العظائم ولا في عجائب فوقي» (مزمور 131). ومن الجميل أن نتعلم الإتضاع من المسيح ولا نطلب لأنفسنا أمورًا عظيمة، مُتمثلين بالسيد الذي قال «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى 11: 29). وكم هي كريمة في نظر الله هذه الروح المُتضعة. «يقاوم الله المُستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة» (1بطرس 5: 5).