إعدام الشاب الأشيب

منذ حوالي قرنين من الزمان، وأثناء الفترة الرهيبة التي تلت الثورة الفرنسية، اعتقلت السلطات الفرنسية فرانكويس چان دي لويزرول، والذي كان ابن نائب سابق في البرلمان الفرنسي. وكانت المحاكمات في هذه الفترة محاكمات سريعة أُطلق عليها محكمة الثوار، وكان حكمها قاسٍ.

فشكلوا محاكمة سريعة لفرانكويس، وقد لاحظ جميع الحاضرين للمحاكمة كيف كان منظر فرانكويس، وهو في قفص الاتهام، يبدو تعسًا شقيًّّا؛ ولكن الملاحظة التي أثارت دهشتهم للغاية هي: كيف يكون فرانكويس شابًا في الحادية والعشرين من عمرة وقد غطى الشيب كل رأسه، وتجاعيد الزمان رسمت على وجهه عمرًا يزيد عن الستين، وكيف أن منظرة صار مشابهًا بالتمام لمنظر والده چان دي لويزرول النائب السابق في البرلمان الفرنسي؟

ووسط دهشة الحضور نادى القاضي: فرانكويس. فأجاب الشاب الأشيب، وهو يحني رأسه: نعم أنا فرانكويس.

وبعد مداولات لم تَدُم طويلا أعلن القاضي الحكم: حكمت المحكمة على المتهم فرانكويس چان دي لويزرولز بالإعدام. وعندها اقتادوا الشاب الشيخ للإعدام، وأُعدم فعلاً وسط دهشة الجميع، ولا سيما من أن منظر الشاب يدل أنه قد تعدى الستين من عمره، وكيف أنه وهو في الحادية والعشرين من عمره صار شيخ أشيب وملامحه هي تمامًا نفس ملامح أبيه.

بعد الإعدام عرف الجميع القصة الحقيقة، فلقد قبض الجنود الفرنسيين في تسرعهم علي الأب چان دي لويزرول بدل من ابنه فرانكويس، وأُعدم الأب طواعية واختيارًا بدلاً من ابنه، في قصة حب وفداء نادرة ورائعة، رافضًا أن يعلن أنه الأب وليس الابن المطلوب محاكمته!!

صديقي القارئ العزيز صديقتي القارئة العزيزة، لقد قبل الأب الموت طوعًا لأجل ابنه.. وأسمعك الآن تهمس في داخلك قائلاً لي: أكيد أنك ستأخذ من تلك القصة مثلاً لما فعلة الرب يسوع لأجلنا نحن البشر! سأجيبك: نعم.. ولكن ما أبعد الفارق بين موت چان دي لويزرول لأجل ابنه فرانكويس وبين موت الرب يسوع المسيح على الصليب لأجلنا. فلقد قُبض على الأب بدل ابنه وهو لم يكن يدري، أما الرب يسوع فليس فقط كان يدري أنه سيُصلب ويموت ويقوم لأجلنا لكنه جاء خصيصًا لذلك. فهو

أولاً: تجسد ليموت لأجلنا فمع أنه الله الغير محدود، لكنه تجسَّد ليموت بدلاً منا وليحررنا من الشيطان «لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كلِّ واحد... لكي يبيدَ بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أيْ إبليس، ويُعتِق أُولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كلَّ حياتهم تحتَ العبودية» (عبرانيين2: 9،14،15).

ثانيًا: تألم لفدائنا

1- آلام من الأيدي البشرية:

وهي الآلام التي احتملها المسيح عن طريق البشر وهي:

    • آلام الجسدية: فالجلدات مزّقت جسده العاري، واللكمات والضربات بالقصبة انهالت على وجهه وجبينه الذي غرسوا فيه بكل عنف إكليلاً من الشوك، ولقد حمل الصليب على ظهره المُمزَّق ثم دُقَّت المسامير بوحشية في يديه ورجليه. يا لها من آلام رهيبة!
    • الآلام النفسية: فخيانة يهوذا وإنكار بطرس وهرب باقي التلاميذ، والقبض عليه كلص، ثم العار الذي شعر به عندما عرّوه واستهزءوا به بثوب الأرجوان والقصبة في يمينه. وكم كان شعوره عندما بصقوا في وجهه وعندما لطمه العبد على وجهه الكريم آه.. إنها آلام نفسية لا يمكن تصورها!

2- آلام العدالة الإلهية:

وهي الآلام التي احتملها المسيح من محكمة العدل الإلهي كبديل عنا.

    • وجود المسيح في مركز البدلية: لم يُعتبَر المسيح القدوس وهو على الصليب بديلاً عنا كخاطئ فقط إذ قال «حماقتي وذنوبي» (مزمور69: 5)، بل أيضًا قيل عنه إن الله «جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه» (2كورنثوس5: 21).
    • قبوله عار الخطية: إن «عار الشعوب الخطية» (أمثال 14: 34) والعار يعني الفضيحة. وهكذا احتمل المسيح العار بدلاً منا حتى قال «العار قد كسر قلبي فمرضت» (مزمور69: 20).
    • صار لعنة الخطية: فاللعنة التي لا بد أن تنصب على رأس الخاطئ انصبّت على المسيح في الصليب، بل إنه هو نفسه صار لعنة لأجلنا (غلاطية 3: 13).
    • احتماله عذاب الخطية: فالجحيم بكل ويلاته وعذاباته النفسية قد احتمله المسيح وهو يدفع أجرة خطايانا. فاسمعه يقول «صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي. يبُست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي» (مزمور 22: 14،15).

كل هذا احتمله الرب يسوع المسيح لأجلي ولأجلك لكي ينقذك. فهل رأيت أيها العزيز أن ما قدّمه الرب يسوع يفوق بما لا يُقاس ما قدمه جان دي لويزرول بدل ابنه فرانكويس لكي يهبك حياة أبدية؟ فهل تقبل الفداء الذي يقدمه لك المسيح المحب العجيب؟ إذًا صل معي:

صلاة:

يا من مُتَّ بدلاً مني في أجمل قصة فداء.. إن حبك يفوق حب الأم وكل الآباء.. خلِّصني وغسِّلني بدماك أزكى الدماء.. لأنتظرك فتأخذني معك إلى السماء. أمين