سنبدأ بمعونة الرب سلسلة جديدة من الخواطر والتأملات العملية المرتبطة بالنضوج الروحي الذي انتهينا إليه في السلسلة السابقة. وهذه التأملات تدور حول موضوع من أهم الموضوعات للشباب هو: خطة الله في حياتنا
عظيم هو ربنا وليس لعظمته استقصاء. وحين رسم دائرة على وجه الغمر، وعمل الأرض وما عليها، والسماء وما يدور في أفلاكها، لم يستشر أحدًا ولم يستعِن بأحد. «فإنه فيه خُلق الكل» (كولوسي1: 16)؛ أي بمقتضى ما فيه من حكمة وقوة. فقد كانت الصورة الكاملة للكون في ذهنه قبل أن يبدأ العمل ويتقن التنفيذ. وبعد أن كُوِّن العالم به، فهو الحافظ والضامن والحامل لكل الأشياء بكلمة قدرته، «وفيه يقوم الكل» (كولوسي1: 17).
ولا شك أن هذا الإله العظيم، الذي أبدع الخليقة غير العاقلة، له خطة رائعة في حياة كل واحد من أولاده. وقد دبَّرت ورسمت عنايته وحكمته مسار حياتنا طِبقًا لقصد صالح في الأزل. «لإننا نحن عمله. مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها» (أفسس2: 10). فهناك برنامج سبق إعداده بواسطة الله نفسه لكل منا. وإلا فلماذا أوجدنا في هذا العالم؟ ولماذا يبقينا يومًا بعد يوم وسنة بعد أخرى؟
إنه لمن المؤسف حقًا أن نقضي أيامنا كسفن تائهة، وليس لها هدف واضح، نتخبط في بحر هذه الحياة، وكل ما نتمناه أن نرسو يومًا على بر الأمان. وقد ينتاب المؤمن أو المؤمنة شعور بالمرار من جراء انعدام الهدف وانعدام المعنى والقيمة للحياة، أو قد يقنع بأهداف تافهة ويدور في فَلَك ذاته متخِّذًا منها مركزًا، ويصبح هدفه في الحياة هو إشباع وإمتاع رغبات نفسه، ناسيًا قول السيد «من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية» (يوحنا12: 25). فقد يرى البعض أن النجاح الدراسي والتفوق والتميز هو الهدف الأسمى للحياة، وقد يرى البعض الآخر أن الأموال والممتلكات هي التي تعطي للحياة قيمة؛ ومع أن هذه الأمور قد تكون مشروعة، لكنها لا تصلح أن تكون هي الهدف الذي من أجله أوجدنا الله في الحياة.
ومن ناحية أخرى قد يندفع البعض بحماس وأشواق نحو خدمة الرب، وربما يعملون أشياء تحظى بمديح وإعجاب الآخرين، فيشعرون بالرضا عن أنفسهم؛ وتفوتهم حقيقة هامة جدًا هي أن الله يهمه الخادم قبل الخدمة التي يقوم بها، وأن يتمم هو قصده من جهتنا قبل أن نتحرك نحن لنعمل له شيئًا. كما قال أحدهم: “قبل أن نكلم الآخرين عن الله يجب أن نكلم الله عن الآخرين. وقبل الكل يجب أن نسمع كلام الله من جهة أنفسنا”.
والواقع أن المؤمن الذي لم يعمل فيه الرب ويشكِّله، ولم يتعلم أن يبحث عن خطة الله في حياته ويدركها هو «متقلقل في جميع طرقه» (يعقوب1: 8). أما الذي عمل فيه الرب فمكتوب عنه «ذو الرأي المُمَكَّن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليك متوكل» (إشعياء26: 3).
وكم هو مُطَمْئِن للنفس أن يتيقن المؤمن - مهما كان ضعيفًا - أن للرب خطة في حياته. وما عليه سوى أن يعرف هذه الخطة ويخضع لها ويقول مع من قال «يارب ماذا تريد أن أفعل؟» (أعمال9: 6). بل وبصدق وإخلاص يقول مع المرنم:
سلّمتُكَ سيدي
لك روحي جسدي
فكري كذا والقلبَ
لمجدِ اسمك |
|
نفسيَ والكيانْ
لك طولَ الزمانْ
احفظهما لكَ
افعل بي ما تشاءْ |
أنــــــــــا لـــــــك |
إن الله كالفخاري الأعظم سيشكِّل في أوانينا لكي تناسب القصد والخطة التي رسمها لنا. ومهما كانت طبيعة الكتلة الطينية، فهو قادر أن يصنع منها إناء للكرامة مقدَّسًا نافعًا ومستعدًا لكل عمل صالح. بل يصنع من هذه الأواني الخزفية شيئًا رائعًا له مجد الله ولمعانه شبه أكرم حجر يشبه بللوري. فيا لعظمة الصانع ويا لسمو قصده وغنى نعمته.
أخي الشاب.. هل يهمك أن تعرف خطة الله في حياتك لتعيشها؟ وهل تشتاق من قلبك أن يتمم الله قصده من جهتك؟ إذًا تابع معنا هذه السلسلة.
للقارئ الذي يرغب في الاستفاضة في هذا الصدد أن يرجع إلى كتاب “الفخاري الأعظم” والذي استقينا منه بعض الأفكار في هذا الموضوع.