الحكاية من البداية تاريخ ودروس

صديقي..  صديقتي..  كثيراً ما تطلعنا إلى المكتبة المسيحية العربية فأحسسنا بنقص شديد في المواد المقدمة لشباب إعدادي وثانوي، وكم صلينا لأجل ذلك مراراً.  واليوم وقد مدّ الرب لنا يد العون لأصدار عددنا الأول الذي بين يديك، فإننا به نبدأ معاً رحلتنا «نحو الهدف». نعم، لنا هدف... 

كانت هذه هي الكلمات التي تصدّرت العدد الأول لمجلة نحو الهدف والذي يحمل تاريخ مايو 1993.

ووالحكاية طويلة، دعني أحكيها لك من البداية، لا لأسرد لك تاريخ مجلتك المحبوبة فحسب، بل الأهم لنتعلم دروسًا من قصتها وهي تشق طريقها «نحو الهدف».

البداية:

أول القصة كان إحساسًا باحتياج شديد، هو ما عبَّرت عنه كلمات تصدير أول عدد. ولم يكن هذا الإحساس وليد ساعتها فحسب، بل سبق ذلك التاريخ بسنوات طوال، امتلأت بصلوات للرب أن يرشد الطريق. والشعور بالاحتياج المخلوط بالشوق لإكرام الرب لا بد وأن ينشئ رغبة صادقة في العمل لسداد الاحتياج ولفائدة كثيرين، وبالوجود بهذه الرغبة في محضر الرب فمن المؤكد أن تتمخض عن عمل يمجد الرب. واتضحت الرؤية مع الزمن. فنشأ التساؤل: من أين البداية؟

وكانت الإجابة في مجلة صغيرة بمجهود محدود، تطبع نسخًا قليلة، توزَّع في أماكن معدودة، اسمها «سهام في يد جبار»، كانت بمثابة غيمة قدر كف (1ملوك18: 44)، أنبأت بخير غزير. وكل ما حولنا يعلِّمنا أنه من الطبيعي أن يولد الكائن صغيرًا فيكبر، لكن ميلنا لأن يكون مولودنا عملاقًا، كثيرًا ما منعنا أن نبدأ، والنتيجة أننا لم نفعل شيئًا. صديقي.. إن كان لديك هدف فصلِّ ثم ابدأ.. افعل شيئًا.

صفارة الإنطلاق:

وفي التوقيت الإلهي (إشعياء60: 22) - ولنتعلم أن «لكل أمر تحت السماوات وقت» (جامعة3: 1) - تلاقت الرؤيا التي كانت عند أكثر من واحد، فراحوا يعرضونها على آخرين. فكان أن تحدَّد موعد لاجتماع تأسيسي للمجلة مع مطلع عام 1993، حضره 12 من المهتمين بأن يعملوا عملاً لبركة النشء المسيحي بطول القطر المصري. استمر الاجتماع ساعات طوال، وكان يدور حول تفاصيل المجلة الدقيقة: ماذا نسميها، عدد صفحاتها، كيف سيكون شكلها، أبوابها، العاملين فيها... الخ.

كان هذا الاجتماع بمثابة صفّارة البداية لسباق طويل طويل، فقد تجلى فيه أن التحدي صعب، والدرب وعر، والاحتياجات كبيرة، والمعوقات عظيمة، وكَوْن الطريق غير مطروق من قبل زاد الأمر مشقة. لكن من قال إن طريق خدمة الرب مفروشًا بالورود؟! فتِّش الكتاب طوله وعرضه ستعرف أن العكس هو الصحيح (أنظر مثلاً أعمال20؛ 2كورنثوس6: 4-10). واحذر يا صديقي أن تظن غير ذلك!

وخرج الموجودون بالاجتماع وشعارهم «إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني» (نحميا2: 20). كان في القلوب عزم صادق على تحمل المسئولية، بالاتكال على الرب. وبعد أن عرف كل واحد دوره، واستودع القليل الذي في يديه بين يدي السيد الذي يستطيع استخدامه؛ ابتدأ العمل الدؤوب: فهذا يكتب، وذاك يصوِّب، وثالث يقوم بعمل التصميمات، وآخر يبحث عن أفضل طرق التنفيذ عمليًا. هكذا لم يدّخِر واحد جهدًا ليُنجَز العمل، وعمل الرب يجب أن يُعمل بكل اجتهاد (عزرا7: 23).

ودارت المطبعة لتطبع المجلة.. وهكذا ظهرت «نحو الهدف» للنور في صباح الخميس 29/4/1993. وتلقفتها الأيادي حتى نفدت الكمية المطبوعة، واضطُررنا لإعادة طباعة العدد مرة أخرى.

وبدأت الثمار تظهر للعيان سريعًا.

إستمرار المسيرة:

كانت هذه هي البداية، لكن هذا لم يكن كل شيء. وكما لم تكن البداية سهلة، فإن الاستمرارية أيضًا لها مشقاتها، والطريق مليء بالعقبات. فكان على أسرة المجلة إعادة الكَرَّة كل شهرين مرة، لتمر بجميع الخطوات من جديد: كتابة وتصميم وتنفيذ وتوزيع وخطوات عديدة (انظر صفحتي 10،11). وقد يبدأ البعض بداءة حسنة لكن لا يُكملوا، فيكونوا كمن بدأ يبني برجًا ولم يكمله (لوقا14: 28-30) لكن لنسمع لتحريض الكتاب «احتمل المشقات... تمِّم خدمتك» (2تيموثاوس4: 5؛ انظر أيضًا كولوسي 4: 17).

رصيدك يكفي و يزيد:

من البداية، وإلى الآن، عند تحديد سعر المجلة، راعينا أن تكون في متناول الجميع، لذا فالمجلة توزَّع بمقابل مادي أقل من تكاليفها الفعلية بكثير. كان لنا دائمًا الإيمان أن الرب سيسدد كل أعوازنا، والرب لا يُخزي من يتعلقون به بالإيمان، بل يعطيهم أكثر جدًا مما طلبوا أو افتكروا.

ولقد أكرمنا الرب باختبارات رائعة في سداد احتياجات المجلة من كل جانب؛ على سبيل المثال: هل تصدق يا عزيزي أن كل ما بدأت المجلة به كان مجموعة من المقصات والأشرطة اللاصقة وعلب الصمغ وبعض الأوراق ومنضدة صغيرة؟! ولم تقف قلة الإمكانات يومًا عائقًا أمام إكمال عمل الرب. وفي مارس 96 دبّر الرب - بكرمه المعتاد - أن يكون للمجلة مكان مجهز لأول مرة، به أجهزة متطورة تساعد على إخراج المجلة بشكل أفضل. واتضح أن الرب يصادق على انطلاقة المجلة ويبغي لها المضي قُدمًا.

سعياً نحو الهدف:

واستلهامًا من اسم المجلة وما يحويه من معاني الحركة، ولأننا لا نقبل بأقل من أن يكون سبيلنا كنور مشرق يتزايد إلى النهار الكامل (أمثال4: 18)، فقد تكررت لقاءات أسرة المجلة سعيًا لتطويرها باستمرار لتقديم الأفضل اقتناعًا من أسرة المجلة أن ما يُعمل للرب ينبغي أن يخرج في أفضل صورة، مهما كانت الإمكانيات محدودة.

لم تكتفِِ أسرة المجلة بلقاءات متناثرة، بل عُقد، في الفترة 19-21/4/97، مؤتمر لدراسة موضوعات متعددة متعلقة بإصدار المجلة لتطويرها وإخراجها بأفضل صورة ممكنة. وسعيًا وراء الأفضل، قمنا بمطالعة دراسات عديدة عن المطبوعات، بصفة خاصة مطبوعات الشباب، كما قمنا بعمل استطلاعات رأي ميدانية لمعرفة رأي القراء، الهام لدينا جدًا، وبالاطلاع على سبل التنفيذ الفني والطباعة المتطورة، وبعد دراسة استمرت أكثر من سنتين؛ اتخذنا القرار بأن ندخل الألفية الثالثة بتطوير شامل، شكلاً وموضوعًا، وهو ما نتج عنه الشكل الجديد، والذي بدأ من عدد يناير 2003، والذي بين يديك الآن.

و الآن:

لقد كبرت الطفلة الصغيرة، ونضجت، وأصبح صوتها مسموعًا وتأثيرها واضحًا بركة لكثيرين، وزاد قراءها ومحبوها الذين تصلنا آراؤهم وتشجيعاتهم باستمرار؛ وليس لنا أمام ذلك إلا أن نعود بالشكر لإلهنا الذي عظَّم معنا العمل وأجزل لنا الإحسان على مر الزمان. تبارك اسمه، فهو يعمل في داخلنا أن نريد، ويعطينا القوة الكافية لأن نعمل لأجل مسرة قلبه (فيلبي2: 13).

والآن، هل نهنئ أنفسنا بما وصلنا إليه عبر عشر سنوات من النجاح ونَقْنَع بالنتائج؟ أم نواصل السعي لتحقيق الأفضل؟!

صلِّ معنا لأجل مجلتك، فلقد بقيت خطوات بطريقها الذي يمتد، بنعمة ربنا، إلى مجيئه القريب.