منذ أكثر من عشر سنوات، اجتمع بعض من الإخوة الذين ثقَّل الرب على قلوبهم الخدمة وسط الشباب الناشئ، للتشاور بغرض إصدار مجلة تخاطب النشء المسيحي، وتتحدث إلى هذا القطاع الهام من شعب الله الذين نحب الوصول إليه والتواصل معه. ذلك لأننا مقتنعون تمامًا بأهمية هذه المرحلة العمرية في حياة الإنسان، فهي تغرس فيه مبادئ، سرعان ما تتأصل، ثم تثمر. فإن كانت مبادئ صالحة، فما أعظم النتائج المرتجاة، طوال ما تبقى من رحلة الحياة، لكن إذا كانت المبادئ المغروسة شريرة، فما أخطر الحصاد وأمرَّه الذي يستمر لسنين كثيرة، قد تمتد إلى العمر بطوله، وقد تشمل الأبدية أيضًا.
ولقد كان الطريق أمامنا من جهة هذا العمل غير مُعبَّد، والأرض لم نعبرها من قبل، لكننا إذ اقتنعنا بأهمية ما شغلنا الرب به، فقد رأينا ألا نضيّع الوقت، بل أن نتكل على الرب، ونبدأ العمل. كانت اجتماعاتنا في الفترة الأولى كثيرة ومتقاربة، وكان حماس الكل كبيرًا، «وكان للشعب قلب في العمل» (نحميا 4: 6).
وبدأنا نفكر في اسم المولود المنتظر. وبعد استعراض العديد من الأسماء الجميلة، ارتحنا أخيرًا إلى هذا الاسم النابض بالحركة، والمشبَّع بالدلالات، والمليء بالإيحاءات: اسم مجلتنا العزيزة «نحو الهدف».
واليوم إذ نلقي نظرة على هذه السنوات العشر من عمر المجلة، فإننا نقدم الشكر الجزيل للرب الذي إلى هنا (قد) أعاننا (1صموئيل7: 12).
ومن رحلتنا عبر هذه السنين مع مجلتنا “نحو الهدف”، فإنه يمكننا أن نقدِّم باقة من الدروس الهامة المستخلَصة، والتي نحب أن نشارككم بها في عيد المجلة العاشر، راجين لنا جميعًا استيعابها جيدًا، فإن استيعابها من شأنه أن يشكِّل منا شخصيات قوية، ويكوِّن فينا خصالاً ممدوحة.
الدرس الأول: أن كل بداية صعبة، فهكذا يقول المثل الألماني. لذلك يتطلب الأمر، كي ما نبدأ في أي عمل جديد، إلى عزم حديد. فهل لأن البدايات صعبة لا نبدأ، وبالتالي لا نعمل شيئًا؟ أ نكون مثل الكسلان الذي وصفه الحكيم كثيرًا في سفر الأمثال، ومن ضمن ما قاله عنه إنه يخفي يده في الصحفة (أي الطبق) وأيضًا إلى فمه لا يردها (أمثال19: 24)؟ هكذا، إلى هذا الحد!
والدرس الثاني: أن كل بداية صغيرة. إن أعظم المشاريع بدأ بفكرة بسيطة. تفكَّر في المخترعين العظماء، وفي المكتشفين المشهورين، تفكَّر في الأدباء والفنانين والموسيقيين. كانت بدايتهم جميعًا بداية بسيطة ومتواضعة، ربما كانت مشاريعهم العملاقة في البداية مجرد فكرة عبرت أمام مخيلتهم وأذهانهم، لكنهم أمسكوا بها وظلوا يعملون على تحقيقها. والأمر نفسه في المجال الروحي، إن أعمالاً عظيمة عُملت لمجد الله وبركة ما لا يُحصى من النفوس، كانت في بدايتها مجرد أمنيات مقدسة، لكن الرب تعهدها، فجاءت منها أعظم النتائج.
والدرس الثالث: أن الصغير لن يظل صغيرًا بل سيكبر. فليس سوى المشكلات هي التي تُولد كبيرة ثم تصغر، لكن باقي البدايات عادة تكون صغيرة جدًا، تكاد لا تُرى، مجرد حلم أو أمنية، ثم تأخذ في الكبر حتى تشغل كل المساحة، وتملأ الساحة. وكما يقولون: إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
عندما صعد أول رائد فضاء إلى القمر ومشى فوق سطحه، قيل هذا التعليق الجميل: إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها خطوة عملاقة للبشرية.
هذه هي الدروس الثلاثة المستخلصة، والتي نقدمها لك عزيزي القارئ: كل بداية صعبة، وصغيرة، لكنها أيضًا واعدة.
ولأن البدايات صغيرة وفي الوقت نفسه صعبة، فكثيرًا ما انصرفنا عنها، فالعناء لا يساوي النتائج السريعة المرتجاة. والذين يتعجلون بلوغ الهدف لن يعملوا أي شيء يُذكر. لكن بالمثابرة، والتقدم بثبات “نحو الهدف”، تتحقق أعظم النتائج. هذا هو الدرس الذي يعلِّمه الخالق للإنسان، فالطبيعة نفسها تعلِّمنا أن الشجرة الكبيرة بدأت ببذرة صغيرة، وقعت هذه البذرة في الأرض وماتت، لكنها سرعان ما أتت بالثمر الكثير. ولقد قال المرنم: «الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج» (مزمور126: 5).
ولقد علَّمنا الرب أيضًا ألا نحتقر الصغير، فلقد سبق له المجد أن وضع يديه على الأولاد الصغار وباركهم (متى 18: 10؛ 19: 13،15)، ومرة أمسك بقليل من صغار السمك، وأشبع بها الآلاف (مرقس 8: 5-9). ورجل الله أليشع سدَّد احتياجات المرأة الأرملة، بل وأغناها، من دهنة زيت (2ملوك 4: 1-8). كما ذكر لنا الكتاب المقدس هذه الكلمات التي تصلح أن تكون لنا كشعار: «من ازدري بيوم الأمور الصغيرة؟» (زكريا 4: 10).
والكتاب المقدس يعلمنا ثالثًا ألا نضيِّع الفرص الثمينة من بين أيدينا. قال الرسول بولس: «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس5: 15). فالجاهل هو الذي تضيع منه الفرصة تلو الفرصة وهو لا يعمل شيئًا. إنه يترك نفسه للمد والجذر، يترك الظروف تفعل فيه، لكنه هو لا يفعل في الظروف شيئًا. وأما الحكيم فهو الذي يفتدي الوقت ويشتري الفرص، دافعًا فيها أعلى الأثمان.
هناك مثل صيني يقول ما معناه: أن الفرص التي نقابلها لها خطاف من الأمام، لكنها ملساء تمامًا من الخلف. فعندما نواجهها يمكننا أن نمسك بها، وإلا فإنها إن عبرت، ضاعت إلى الأبد، ولن يمكننا مطلقا الإمساك بها.
فهيا بنا عزيزي الشاب وعزيزتي الشابة نعمل في مثابرة، ونجتهد في إصرار، لا نحتقر إمكانياتنا وما بين أيدينا مهما كان بسيطًا، مستخدمين إياه لمجد الرب يسوع المسيح، وفوق الكل نمسك بكل الفرص التي تقابلنا، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة.