الآم المسيح الكفارية
عرفنا من مقالات سابقة الشيء اليسير عن الآم المسيح، سواء الجسدية أو النفسية. وعرفنا أنه رغم قسوة وشدة هذه الآلام لكنها لم تكن لتخلِّصنا على الإطلاق. لكنها الآلام الكفارية، التي تحمّلها المسيح في ساعات الظلمة، والتي ذُكرت في الاناجيل الثلاثة الأولى (متى27: 45، مرقس15: 33، لوقا23: 44)؛ هي التي فيها كان المسيح نائبًا عنا إذ كان في مركزنا كخطاة حيث «أحصيَ مع أثمة» (إشعياء53: 12).
لقد قَبِل المسيح عار الخطية، هذا العار الذي لا مثيل له مُطلقًا، حيث مكتوب «عار الشعوب الخطية» (أمثال14: 34). ولا شك أن إحساس المسيح بهذا العار كان فوق الاحتمال لأنه القدوس، بخلافنا نحن المولودين بالخطية وأيضًا الخطية ساكنة فينا وعشنا فيها من قبل. اسمعه يقول بروح النبوة «العار قد كسر قلبي فمرضت» (مزمور69: 20).
والمسيح لم يحتمل العار فقط، بل اللعنة أيضًا. ولنسمع ما يقوله الرسول بولس «المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا؛ لأنه مكتوب ملعون كل من عُلِّق على خشبة» (غلاطية3: 13).
ومع أن الظلمة كانت شديدة جدًا، ولا نستطيع أن نقترب ولو قليلاً من الجلجثة في هذه الساعات، لكننا سنحاول أن نتخيل، ولو قليلاً، هذه الآلام المُرّة، التي فوق مستوى تفكيرنا، والتي قاساها الرب القدوس كالآتي:
أولاً: النيران
نقرأ في نبوة ناحوم 1: 6 «من يقف أمام سخطه ومن يقوم في حمو غضبه. غيظه ينسكب كالنار» فبسبب خطايانا كان ينبغي أن نُلقى في النار الأبدية التي لا تُطفأ؛ لكن المسيح، في محبة عجيبة، تحمَّل ما كان لا بد أن نتحمله في هذه النيران. ونسمعه يقول بروح النبوة «أما إليكم يا جميع عابري الطريق: تطلّعوا وانظروا إن كان حُزن مثل حزني الذي صُنع بي، الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه من العلاء أرسَل نارًا إلى عظامي فسَرَت فيها» (مراثي1: 12 ،13).
ولم تكن أتونًا محمى بسبعة أضعاف، لكنها نيران الغضب الإلهي ضد الخطية. إنها نيران جهنم المركَّزة تلك التي نزلت على المسيح في الثلاث ساعات الظلمة.
ثانيًا: الصخور
نقرأ أيضًا في نبوة ناحوم عن دينونة وغضب الله ضد الخطية، ليس فقط أن غيظه ينسكب كالنار ولكن أيضًا «والصخور تنهدم منه». فعندما أراد الرب يسوع أن يصلي في بستان قبيل الصليب، انفصل عن التلاميذ نحو رمية حجر (لوقا22: 41). فقد كان على استعداد أن يُرمي عليه صخر مقابل كل خطية فعلناها، فهو الشخص المحب العطوف الذي قدَّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة خاطئة في يوحنا8 وسألوه أن تُرجم، انحنى إلى أسفل ووبّخهم لكي لا يرميها أحد بحجر. لكن بالتأكيد فإن أفكاره ذهبت إلى الصليب، وإلى الصخور الكثيرة التي كانت لا بد أن تنهدم من الله عليه.
ثالثًا: السيف
عندما طرد الله الإنسان من جنة عدن، أقام شرقي الجنة الكروبيم (نوع ملائكة) ولهيب سيف متقلِّب لحراسة طريق شجرة الحياة. لكن هذا السيف نام على مَرّ السنين. وعندما عُلِّق المسيح على خشبة الصليب، فكأنه كان ذاهبًا لهذه الشجرة ليأخذ من ثمرها ويعطي الإنسان الميت التعس حياة أبدية، وهنا قال الله لسيف أعظم، سيف غضبه العظيم «استيقظ يا سيف على راعيَّ وعلى رجل رفقتي.. اضرب الراعي..» (زكريا13: 7). وهكذا اجتاز فيه سيف العدالة.
رابعًا: الجلدة الإلهية
لقد جُلد المسيح أثناء محاكمته أمام بيلاطس (متى27: 26؛ مرقس15: 15؛ يوحنا19: 1)، جلدات كانت بلا عدد(مزمور35: 15). لكن كانت هناك جلدة أعظم وأرهب من السماء، الله كان يعلم كم هي رهيبة وتكلم عنها الرسول بطرس في رسالته الأولى2: 24 «الذي بجلدته شفيتم».
خامسًا: الترك الرهيب
صرخ المسيح صرخة الألم «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» فلقد كان المسيح متمتعًا بكل الرضا الإلهي طوال حياته على الأرض، وكان شعاره «جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع» (مزمور16: 8). لكن الله حجب وجهه عنه وتركه لأن أجرة الخطية هي موت؛ فلم تُفتح له السماء كما من قبل، ولم يقل الله كما قال سابقًا «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت». وما كان أصعب ذلك على رجل الشركة القوية مع الله، لقد اختبر البُعد عن الله مصدر الحياة.
سادسًا: تيارات ولجج المياه الغامرة
إنها مياه الدينونة الرهيبة. لقد نجا قديمًا ثمانية أشخاص، هم نوح وعائلته، عندما انفتحت طاقات السماء، وانفجرت ينابيع الغَمر العظيم على فُلك النجاة، والثمانية أشخاص في اطمئنان كامل، وعلى الصليب كم كانت الغمار رهيبة حيث كان «غمر ينادي غمر»، لقد دخل المسيح إلى «أعماق المياه.. سيل المياه» (مزمور69: 14 ،15).
سابعًا: الحمأة والطين
لا ننسى أنه القدوس، لكن وُضعت عليه كل خطايانا، إنه شيء صعب ومُرّ أن يحمل المسيح الخطايا، الشرور والآثام والتعديات والذنوب بكل قذارتها ودنسها ونجاستها، إن شرور وخطايا المؤمنين التي فعلوها سواء قبل الإيمان أو بعد الإيمان لا تحصى، وبسببها غرق المسيح في الطين.