- ما هذا الغياب يا صديقي؟ لقد افتقدتك كثيرًا.
- وأنا أيضًا مشتاق إليك. واعتقد أني بالأولى أفتقد نصحك ورأيك الذي لطالما أعانني. أعترف لك أنني كنت أتخبط في بعض الأمور ولا أجد من ينصحني.
- يا صديقي.. إن غاب عن عينك الكل فلا تنسَ ذاك الذي وعدك «أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك، عيني عليك» (مزمور32: 8). ذاك الذي عنك لن يغيب البتة، ولن يضِنّ برأيه ومشورته عنك. والآن اخبرني بما يجول في رأسك.
- ما زلت أذكر حديثنا الطويل عن التأثير والتأثر في العلاقة بالآخرين.
- صحيح؟! لقد توقعت أنك نسيت بسبب طول الوقت الذي مضى!
- رغم طول الوقت لكني كنت أحفظه في ذهني مفكِّرًا فيه، ساعيًا لأن أعيش كل ما أقنعني به الرب منه. لذا فلم يغب عن بالي.
- باركك الله يا عزيزي؛ وبكل يقين أن ذلك سيؤول إلى تقدُّمك روحيًا. قل لي ما الذي يشغلك من هذا الحديث الآن.
ما زلت أذكر كل جزئيات الحديث وكيف أني أؤثر وأتأثر، رغمًا عني، في من، وبمن، حولي. ولقد تأثرت عمليًا من الأفكار التي تتطارحناها عن التعامل مع النوعيات المختلفة من الذين أقابلهم، ولا سيما في ما يختص بالانفصال عن شر الآخرين والتدقيق في اختيار الصديق والعلاقة معه. لكن الموضوع الذي يشغل فكري بشدة هو ما سبق أن ألمحت إليه في معرض حديثنا منذ زمن، وعندما سألتك بصدده كانت إجابتك بالتأجيل. وأقصد موضوع «الشهادة».
- إن الموضوع جدير بالاهتمام بحق، ويسعدني كثيرًا أن أراك متحمسًا له وأنت في أحلى أيامك، في سن الشباب، وأنت بكل طاقتك وبإمكانك أن تقدّم الكثير.
- إن كلامك هذا يدعوني لأن أبدأ أسئلتي بسؤال يقلقني في هذا الموضوع: متى يمكنني أن أن أبدأ شهادتي؟ أ في سن الشباب أم في سن متقدمة بعض الشيء؟ وبعد أي زمن من اختباري للمسيح كالمخلّص؟ أو عندما أصل إلى أي مقومات روحية؟!
- دعني أذكِّرك ببعض شخصيات من الكتاب المقدس، قصة كل منهم تجيب مباشرة عن توقيت بداية الشهادة، كما تعلن لنا مفهوم الشهادة وبعض دروس عملية عنها.
- لنبدأ بالأولى.
- أتذكر الرجل الذي كان مجنونًا في كورة الجدريين؟
- نعم.. إنه المذكور في إنجيل مرقس الأصحاح الخامس.
- هل تذكر حاله قبل أن يعرف المسيح؟
- كان يسكن القبور عريانًا ويجرِّح نفسه بالحجارة.
- لقد تقابل مع المسيح فتغير الحال بالكامل معه.
- نعم، لقد صار جالسًا ولابسًا وعاقلاً.
- لقد تعلقت نفسه بالرب حينئذ، وطلب منه أن يلازمه في السفينة. فهل تذكر ما فعله الرب معه؟
- لقد منعه وقال له: «اذهب إلى بيتك وإلى أهلك واخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك».
- وقد فعل ذاك الذي كان مجنونًا « فمضى وابتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع». ألعل ذلك يجيب عن سؤالك عن التوقيت؟ فبعد كم سنة من تعرفه بالرب ذهب ذلك الرجل ليخبر بما صنعه به الرب؟
- ليس بعد سنوات، بل على الفور.
- صحيح.. كذلك فلنا أن نتعلم من قصته دروسًا عن الشهادة. أولاً نتعلم بساطة الشهادة. فما شهد به هذا الرجل كان اختباره الشخصي بعبارات بسيطة. وهذا أول الخطوات في الشهادة: أن تخبر بما اختبرته في شخص المسيح.
- أبهذه البساطة؟ وهل لذلك تأثير؟
- هذا يأتي بي للدرس الثاني: أن شهادة ذلك الرجل استمدت قوتها من التغيير الذي حدث في حياته. أو دعني أقول إن شهادة الكلام تدعمت بشهادة الحياة. ومن هنا أحب أن أخبرك أنه عندما يرى الناس من حولي أن حياتي تغيرت بالفعل، وعندما يتضح بالبرهان العملي تأثير المسيح في حياتي، سيكون لأبسط كلمات الشهادة مني تأثيرًا قويًا.
- ألهذه الدرجة يبلغ تأثير شهادة الحياة؟
- نعم.. ودعني أذكرك بمثال آخر. لعازر المُقام من الأموات. نقرأ عنه ميتًا بين القبور في يوحنا11، لكن بعد أن أقامه الرب، نرى سمات الحياة الجديدة وقد بدت فيه جليًا، حتى يقول الكتاب عنه إن الناس «جاءوا ليس لأجل يسوع فقط بل لينظروا أيضًا لعازر الذي أقامه من الأموات. فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضًا. لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع» (يوحنا12: 9-11). أ رأيت كيف أن الحياة تشهد بقوة عن طبيعتها بصوت أعلى من كل الكلمات؟
- نعم.. وماذا أيضًا عن الشهادة؟
- يكفي ما قلناه الآن. خذ ما سمعت، وافحص نفسك، واطلب من الرب أن تكون حياتك شاهدة عنه أولاً.
- أعدك أن أفعل، وأرجو أن تصلي من أجلي في هذا الصدد.
- اتفقنا يا صديق.
- إذًا إلى اللقاء.