واثق عند موته

هل يمكن لإنسان أنه لا يخاف الموت؟ بل السؤال الأكثر غرابة: هل يمكن لأنسان أن يشعر بميعاد موته ويفرح به ويوصي أقاربه أن يفرحوا معه؟

لللأجابة على هذا السؤال العجيب ساروي لك هذه القصة الحقيقية، التي سمعتها ورأيت عناصرها الحية، في زيارتي لمدينة بني سويف بصعيد مصر الشهر الحالي. فبينما كنت أتناول طعام الغذاء في بيت أحد المؤمنين، لاحظت أمامي على الحائط صورة لرجل تبدو عليه علامات الوقار. ولما سألت عنه، قال لي مضيفي: إنه أبي الراحل صابر جورجي. وأردف قائلاً: أكيد إنك تعرف قصته. فأجبته: للأسف لا. فقال: الكثيرون هنا في بني سويف يعرفون قصته. فبادرته: من فضلك اروها لي سريعًا. ولما انتهينا من الطعام، دخل مكتبه وأحضر “نوتة” وفتح الصفحتين، اللتين يمكنك أيها القاريء أن تري صورتهما أمامك في المجلة الآن. وقال لي: اقرأ تلك السطور. فأخذت أقرأ بشغف. وهذه بعض الكلمات المكتوبه:

أسرتي المباركة: زوجتي الفاضلة.. بناتي.. أبنائي.. أصهاري.. كنّتيَّ.. حفيداتي.. أحفادي.. وكل من يَمُتّ لي بأي صلة وقرابة جسدية.. وإخوتي وأخواتي في المسيح.

 في هذا التاريخ من عام 1988 سأكمل 76 سنة من العمر، الذي لم يصل إليه أحد من والديَّ؛ ولقد غمرني الرب بالكثير والكثير من البركات الروحية: غفران، تبرير، ولادة ثانية، سكنى الروح القدس، حياة أبدية، رجاء مبارك؛ سبقها دعوة سماوية، سبقها اختيار أزلي، ثم رعاية وعناية إلهية، منذ وجودي إلى الآن. خير ورحمة يتبعاني كل أيام حياتي، لم يعوزني شيئًا. منحني عمرًا طويلاً، وسلامًا عائليًا، وحفظًا كاملاً لجميع أفراد أسرتي. والآن لا ينقصني سوى التمتع برؤية شخص الحبيب الفادي الرب يسوع…

كان رجائي أن يكون لي نصيب أن أرنم: «أين شوكتك يا موت (بمجيء الرب للأختطاف)؟»، ولكني الان اعلم أني سوف أرنم: «أين غلبتك يا هاوية (بالرقاد والقيامة)؟».

ولي ثقة أن شوكة الموت التي كسرها المسيح، بموته على الصليب، لن تكون قاسية؛ لأنه إذا سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًّّا، لأنك أنت معي. هللويا. لا أريد أن يقرأ أحدكم هذه المذكرة في حياتي، ولكن أرجو أن تكون سبب تعزية بعد انطلاقي. أصلي للرب أن يمنحكم تعزية فائضة بالرجاء المبارك. وإلى اللقاء يوم مجيء الرب ليقيم الراقدين ويغيّر الأحياء ونُخطف جميعًا لملاقاته في السحب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب.. هللويا هللويا هللويا. صابر جورجي (توقيع مع التاريخ) 

صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. لقد رحل هذا الأخ الواثق عند موته بلا خوف بعد كتابه هذه الكلمات ليس بكثير!!

هل تعلم لماذا لم يخيف الموت الراحل صابر جورجي، ولم، ولن يخيف مسيحي حقيقي؟ هل تعلم لماذا كتب سليمان في الأمثال: «اَلشِّرِّيرُ يُطْرَدُ بِشَرِّهِ أَمَّا الصِّدِّيقُ فَوَاثِقٌ عِنْدَ مَوْتِهِ» (أمثال 14: 32)؟ الإجابة هي أنه وإن كانت للموت أوصاف ترعب الإنسان الطبيعي (اقرأ عنها في أيوب33: 18؛ مزمور18: 5؛ أمثال7: 27؛ مزمور116: 3؛ 1كورنثوس15: 56؛ نشيد8: 6؛ مزمور55: 4؛ أيوب 38: 17؛ 1كورنثوس 15: 26؛ عبرانيين 2: 15؛ عبرانيين 2: 9؛ أعمال2: 24)؛ إلا أن المسيحي الحقيقي ما عاد يخاف الموت لأن:

  • المسيح، بتجسده وصلبه أباد بالموت من له سلطان الموت (عبرانيين2: 14-15).
  • وأبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2تيموثاوس1: 10).
  • نقض أوجاع الموت (أعمال2: 24)
  • احتمل شوكة الموت (1كورنثوس15: 56).
  • صار الموت نومًا ورقادًا بيسوع (1تسالونيكي4: 14).
  • صار الموت ربح للمسيحي الحقيقي (فيلبي1: 21).

وبالرغم من ذلك، فالمسيحي الحقيقي لا ينتظر الموت، بل مجيء الرب، حيث لا نرى الموت ونكون معه ومثله في بيت الآب (1كورنثوس 15: 51؛ 2كورنثوس 4: 5؛ 1يوحنا3: 2).

 لهذا فالصِّديق واثق عند موته؛ ليس لشجاعة، أو بطولة منه، بل لأنه يثق في عمل المسيح العظيم، الذي يجعل كل من يؤمن به إيمانًا حقيقيًا ينطبق عليه القول «الصدِّيق فواثق عند موته».

 فهل تتمنى أن تحصل علي هذه الثقة الغالية؟.. أدعوك ألا توجل، بل تعال للمسيح؛ الآن وأنت تقرأ هذه المجلة، مصلّيًا معي.   

 

صلاة:  

أقبَلك يا من بالموت أبطلت الموت.. أتبعك وأسير خلفك، فلن أخاف من الموت وأشراكه، لأنك قد دُست أشواكه، فلن تُرعبني شباكه، لأصير واثق وأغلق للخوف شبّاكه. ولمجيئك قلبي تلتهب أشواقه. آمين.