رأينا في أربعة أعداد سابقة: ما هي الغريزة بصفة عامة، وما هي الغريزة الجنسية بصفة خاصة، ولماذا تحتل هذه الغريزة مكانة متميزة بين الغرائز، وأيضًا ما هي العوامل المؤثِّرة عليها والتي تزيد من شدة صراع الشاب أو الشابة معهما، وكذلك ما دور شهوات الجسد في استخدام الغريزة الجنسية. وفي هذا العدد سنناقش بمعونة الرب دور الإيمان المسيحي في التعامل مع هذه الغريزة وصراعاتها
الإيمان المسيحي والغريزة الجنسية
- الإيمان المسيحي ليس هو الكبت، أو عدم الاعتراف بالواقع، ولا هو الإدانة على ما لا دخل للإنسان فيه أو ما لا يستدعي الإدانة. بل الإيمان يضع كل شيء في مكانه الطبيعي.
- الإيمان لا يلغي دور الغرائز في حياة المؤمن، مثل الأكل والشرب، والمحبة والجنس؛ لكن يظل دورها كما هو، كما خلق الله لكل غريزة فائدتها وطعمها وشدتها حسب تركيبة كل شخص.
- أيضًا الإيمان لا يغيِّر ولا يُبطل مفعول الغريزة، ولا يهدّئ من ندائها. بل بعد الإيمان ستظل كل غريزة، بما في ذلك الغريزة الجنسية، تنادي حسب شدتها، وسيظل العميق عميقًا والسطحي سطحيًا.
- بعد الإيمان، يأخذ الشخص طبيعة جديدة، هذه الطبيعة تعطي نورًا يكشف أكثر ويلقي ضوءًا أكثر على رغبات وشهوات الطبيعة القديمة، التي تريد أن تستخدم الغريزة الجنسية. في الوقت الذي فيه الطبيعة الجديدة ترفض هذه الشهوات؛ فتجعل المؤمن، لا سيما الذين يؤمن في سن المراهقة، بكل إخلاص يحاول التصدي لها بكثير من الصلوات والأصوام والعهود. ولكن للأسف غالبًا ما تكون النصرة لشهوات الجسد، والهزيمة للمؤمن. وهذا ما يُسمّى بصراع الطبيعتين الذي ينتج عنه:
- زيادة حدّة الصراع بين الطبيعتين، مما يجعل النداء الغريزي أكثر عنفًا والشهوة أكثر شراسة.
- يشعر الشاب، أو الشابة؛ أنهما، رغم الإيمان، ضعيفان مهزومان، وأن الغريزة والشهوة أقوى منهما.
المؤمن والتعامل مع الغريزة الجنسية:
- لا تدن نفسك لكونها فيك، بل اقبل ما فيك لأنها خليقة الله، ولا تعتقد أن مجرد وجودها خطية، مهما كانت شدتها، فهذا فهم خاطئ، والفهم الخاطئ دائمًا يؤدي لسلوكيات خاطئة.
- لا تستغرب إذا شعرت في داخلك أن الطبيعة القديمة تحاول أن تستخدم جسدك وكيانك الإنساني كله للتجاوب الخاطئ مع هذه الغريزة: عينيك وأذنيك، وذهنك وعواطفك. فلا تُصدم في نفسك، وفي رداءة الطبيعة القديمة.
- ولا تدن نفسك أيضًا على محاولات الطبيعة القديمة هذه، فهذا هو الجسد دائمًا ولن يكون غير ذلك، وأنت غير مسئول عن وجوده أو عن محاولاته أو تحركاته.
- لا تدخل في صراع مع هذه الغريزة مطلقًا إذا ألحّت عليك، فأي محاولة للتصدي ستنتهي بالفشل.
- اعلم إنها اختبارات مرحلة عمرية، وسينتهي هذا النوع من الصراع تلقائيًا بانتهاء المرحلة العمرية، ولا بد أن تستفيد دروسًا روحية مباركة من هذا الصراع، لذلك اطمئن.
- ليس البديل هو أن تفتح الباب على مصراعيه للتسيّب مع الشهوات التي تحاول استخدام الغريزة البريئة. إذًا ما هو دور المؤمن والمؤمنة في هذا الصراع؟
اهرب من
- في الصراع مع رغبات الجسد في استخدام الغريزة الجنسية؛ اعلم أن جناحي الحمامة أقوى من فكي الأسد.
- في ظروف يومك العادي، اهرب من أن تغذّي كيانك الداخلي بما يستثير غرائزك، وبالتالي احفظ عينيك وأذنيك وأفكارك بداخلك، من أن تتجول في هذه النوعية من المناظر والأصوات والأفكار، واعلم أن هذا كله سيُختزَن في عقلك الباطن، ويخرج عند الاسترخاء على هيئة مثيرات للغرائز.
- اهرب من أن يكون هذا الجو هو المحور الوحيد، أو الرئيسي، الذي يفرض نفسه عليك؛ سواء بالقبول أو الرفض. ليكن هناك في حياتك اهتمامات أخرى، زمنية وروحية. دعها تملأ حياتك.
- اهرب من الفراغ والعزلة لأن «المعتزل يطلب شهوته» (أمثال 18: 1).
- اهرب من أن يشكِّل هذا الموضوع، في صلواتك، الحديث الرئيسي بينك وبين الرب، لئلا يستدرجك الجسد، في خبثه، بالتفكير في هذه الأمور وأنت في محضر الله، فتسقط فيها بالفكر حتى وأنت تصلي.
ثانيًا: أهرب إلى
- محضر الله هو مكانك وملاذك في هذا الصراع، ولو عشت فيه بطريقة صحيحة يقينًا ستختبر النعمة.
- خصِّص الجزء الأكبر من خلوتك مع الرب للحديث في الأمور الإيجابية؛ مثل محبة المسيح وصفاته ونعمة الله. تأمل وقتًا طويلاً في هذه الأمور، لتمتلئ نفسك منها. تكلم معه عن احتياجات الآخرين، وصلِّ لأجل كل مَنْ تعرفهم لتخرج خارج نطاق ذاتك.
- روِّض نفسك على أن تكون هناك أمور تفكّر فيها تحتل الجزء الرئيسي لحياتك، عندئذ مهما كان الفراغ الغريزي عندك سوف يحتل جزءًا هامشيًا ضئيلاً.
- مارس هواياتك المفضلة وخصِّص وقتًا لها، لتتسامى بطاقاتك، وأيضًا لتتجنب وقت الفراغ.
- إذا كنت من الذين عندهم فراغ جنسي عميق، والنداء الغريزي داخلهم قوي، فلن تكفيك فترة الشركة العادية التي تكفي الآخرين. لكنك تحتاج ألا تخرج من محضر الله إلا وأنت في حالة من الشبع والري التام وأنت تقول: «كأسي ريا» (مزمور23: 5). تخرج وأنت قد ألقيت فعلاً كل أحمالك وأثقالك، وأنت في جو الفرح والسلام التام. فالشبع بالنسبة لك هو أعظم طريقة للتسامي «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أمثال27: 7).
ثالثًا: إحذر
- إذا سقطت، احذر من أن تجلس وتنوح أمام السقطة زمنًا طويلاً، لكن استخدم العلاج سريعًا: اعترف بالخطية، وانهض من سقطتك. وما تعترف به هو السقطة الواضحة التي فيها تتجاوب إرادتك مع محاولات الجسد الذي فيك لسوء استخدام الغريزة.
- احذر من العدو بعد السقوط، لأنه يريد بعد السقطة استسلامًا أو فترة زمنية من الاسترخاء، لكن تعلَّم ألا تُعطه الفرصة. فانهض سريعًا قائلاً: «لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم» (ميخا7: 8).
- احذر، وأنت تعترف بالخطية التي سقطت فيها، من أن تناقش الرب فيها بالتفصيل، ولا حتى تأخذ وقتًا طويلاً. لكن صدّق الكتاب أنك بمجرد الاعتراف ينتهي الأمر، لأن الرب قد سمع واستجاب «قلت: أعترف للرب بذنبي، وأنت رفعت أثام خطيتي» (مزمور32: 5). اعلم أن الرب يعلم كل شيء، اطلب منه فقط أن يجعلك صادقًا في الاعتراف.
- اعلم أن الحالة الروحية السامية هي المزيد من المشغولية بالمسيح والشبع به، وهذه الحالة تجعلك تحتقر الشهوات وتتسامى فوق الغرائز. لكن احذر أنه حتى في هذه الحالة الجسد لن يصمت، وسيحاول استدراجك لتحويل عينيك عن المسيح إلى هذه الغرائز، سواء بإغرائك بقبولها أو بوهم النصرة عليها نتيجة التصدي لها. لا تستغرب من هذا، لكن ارجع مرة أخرى بعينيك وبقلبك إلى المسيح واللهج فيه، فهو مصدر البركة الحقيقية لك.