حديثنا عن عوبديا النبي؛ كاتب نبوة عوبديا، وهي السفر الرابع من أسفار الأنبياء الصغار. وهذه النبوة هي أقصر سفر في العهد القديم، إذ تتكون من 21 عددًا لكنها مليئة بالدروس الهامة، ولا غرابة في ذلك إذ أن «كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر» (2تيموثاوس3: 16).
عوبديا:
اسم عبري معناه “عبد يهوه” أو “عابد يهوه”. واسم عوبديا يذكِّرنا بالحقيقة الهامة: أن كل مؤمن هو عبد للرب، أي أنه ليس ملكًا لنفسه إذ قد اشتُري بثمن غالٍ، وبالتالي عليه أن يقدّم نفسه للرب بالتمام (1كورنثوس6: 19، 20).
وقد أرسل الرب عوبديا في مهمة خاصة ومحدّدة: وهي أن يعلن القضاء على أدوم. والكلمات التي نطق بها النبي لم تكن نابعة منه، لكنها من الرب «هكذا قال السيد الرب عن أدوم» (ع1).
من هو أدوم
أدوم هو عيسو أخو يعقوب (تكوين25: 30؛ 36: 1). وقد دُعي بهذا الاسم نسبة إلى طبيخ العدس الأحمر الذي أكل منه. وقد كان عيسو شخصًا شريرًا مع أنه عاش في أسرة تقية. فقد تربى على يدي إسحاق رجل الإيمان، وعاش في أجواء مخافة الله. لكنه، بكل إصرار، رفض كل تأثير روحي يقوده نحو الله، وحَكَمَته رغباته وملذاته الوقتية. لقد احتقر البركات الإلهية واحتضن الشهوات العالمية، وصار مثالاً تحذيريًا لكل من يسلك مثله «ملاحظين… لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته. فإنكم تعلمون أنه أيضًا بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض، إذ لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها (البركة) بدموع» (عبرانيين12: 15-17).
وقد اتسم نسل عيسو (أدوم) بصفات بغيضة، استجلبت عليهم قضاء الله؛ وهذا ما تكشفه كلمات عوبديا النبي.
قضاء الرب
من دارسة نبوة عوبديا نرى بوضوح الشرور التي استوجبت دينونه أدوم.
الكبرياء:
«تكبُّر قلبك قد خدعك أيها الساكن في محاجئ الصخر رفعة مقعده (مساكنه في القمم)» (ع3). لا يوجد شر لا يطيقه الرب مثل الكبرياء، وهو المرض العضال الأكثر انتشارًا بين الناس، خاصة في جيلنا «متعظمين مستكبرين» (2تيموثاوس3: 2). والمتكبر يعيش في وهم وغرور، ويتصور أنه بعيد عن أي أذى يمكن أن يلحق به «القائل في قلبه: من يحدرني إلى الأرض» (ع3). إلا أنه بذلك يضع نفسه في موقف التحدي لله، والله بدوره يقبل التحدي ويظهر قوته. هل نتذكر هيرودس الملك (من نسل أدوم) الذي لما جلس على العرش وخاطب للشعب هتفوا له قائلين «هذا صوت إله لا صوت إنسان. ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يُعطِ المجد لله فصار يأكله الدود ومات» (أعمال 12: 20-23)؟!
الظلم:
«من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد» (ع10).
أخذ أدوم موقف العَدَاء المستمر ليعقوب، وكان يتحين الفرصة ليعتدي عليه ويظلمه؛ والله كان يراقب هذا، وها هو يعلن أنه يبغض الظلم ويجازيه. والكتاب يخبرنا بوضوح «أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟» (1كورنثوس6: 9)، «وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة» (كولوسي3: 25).
اللامبالاة والشماتة:
«يوم وقفت مقابله يوم سَبَتْ الأعاجم قدرته (أي وقفت بعيدًا عنه يوم بليته، ولم تسرع لنجاته؛ وأكثر من ذلك كان) يجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك يوم مصيبته ولا تشمت ببني يهوذا يوم هلاكهم ولا تفغر فمك يوم الضيق» (ع11،12).
هكذا كان موقف أدوم من يعقوب. والرب يحذرنا من اللامبالاة بمن هم في ضيقة. وإنه أمر رديء أن نقف «مقابل» من هم في احتياج، وأن نبتعد عنهم وقت بليتهم. هل نذكر ما قاله المسيح في المثل عن «الكاهن واللاوي» وكيف أن كلاً منهما رأى الجريح وجاز «مقابله» (لوقا10: 31،32)؟ إن موقف المسيحي هو الإسراع لنجدة المتضايق. كما أن الكتاب يحذّرنا من الشماتة «لا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر؛ لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه فيرد عنه غضبه» (أمثال24: 17، 18).
القانون الإلهي:
«كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك» (ع15) هذا مبدأ إلهي ثابت، يتكرر بوضوح في كلمة الله، ويبين عدالة الله. فلنتحذر لأنفسنا (راجع قضاة1: 7، إرميا50: 29). «لا تضلوا الله لا يُشمخ عليه، فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا» (غلاطية6: 7).