كانوا مجموعة من الطلبة يدرسون فى بداية المرحلة الجامعية، قد تغربوا عن مدينتهم وأهلهم واتّخذوا لأنفسهم نُزلاً في أحد بيوت الطلبة في المدينة الكبيرة التي كانوا يقطنون فيها. رأيتهم وقد رفعوا مجموعة من الشعارات علّقوها على جدران غرفهم في المنزل الذي كانوا يسكنون. العجيب أن هذه الشعارات لم تكن تدعو للعمل والاجتهاد، كما هو المفترض أن يفعل من كان مثلهم؛ بل كانت على غرار الآتي: “ نام وارتاح يأتيك النجاح ” أو “من سهر الليالي بات للعام التالي”.
وسمعتهم يتبادلون، وهم لاهون، أقوالاً يَدعون فيها أنفسهم إلى الاسترخاء، فعلى حدّ زعمهم أنه من الأفضل ان “تكبّر دماغك” أو “تشتري دماغك”، ولم أعلم مطلقًا كيف يمكن للمرء أن يشتري “دماغه”، وبكم؟!
حفر أحدهم مكانًا غائرًا في وسط سريره من طول الرقاد عليه، ورفض غيره أن يستيقظ من نومة ليذهب الى المحاضرة أو حتى الامتحان! وفضّلوا فى أوقات كثيرة الراحة عوضًا عن الاجتهاد، واستلذوا بالكسل عوضًا عن العمل. وقضوا الكثير من الأوقات في أحاديث لا تُجدي نفعًا لأنها لا تكلفهم تعبًا. وظلوا جائعين في بعض الأوقات لأنهم كانوا أكسل من أن يهيّئوا لأنفسهم طعامًا!
إنه مرض العصر. والتشخيص الصحيح لشكوى الكثيرين من الحياة الهزيلة العديمة الهدف، أو من الفشل الزمني في الدراسة أو العمل. وهو أيضًا تشخيص الفشل الروحي؛ فهو السبب الرئيسي لانقطاع الشركة والتهاون مع الخطية أحيانا؛ وسر الضعف المستمر والخدمة الهزيلة وانقطاع الثمر.
كتب احدهم عنه قائلا : “إن الكسل يستطيع أن يدخل فى منافسات سباق أسوأ الخطايا”. ومن الواضح أن الله يعطي اهتمامًا خاصًا للتحذير من الكسل، فلدينا العديد من الوصايا الهامة التي تخصّ طريقة حياتنا، ساعات نومنا، طريقة آدائنا لأعمالنا، استغلال أوقاتنا؛ فعلينا أن ننتبه. وأكثر من كَتب عن الكسل، مسوقًا من الروح القدس، هو حكيم الأزمنة سليمان. فتجد في كتاباته أن الكسلان:
1- يحب النوم :
وإن كانت محبة المال أصل لكل الشرور، فإن محبة النوم أساس لكثير من البلاء. أعرف شباًبا على استعداد للنوم 12 ساعة يوميًا. فإذا نام شاب عمره عشرون عامًا هذا الكمّ من الوقت يوميًا، فقد قضى نائمًا عشرة سنوات تقريبًا أي نصف عمره! فإذا كان احتياجنا الطبيعي هو من 6-8 ساعات يوميًا، فقد أضاع صديقنا من عمرة حوالى 4سنوات حتى الآن، كان من المفترض أن يقضيها نشطًا وعاملاً، مستذكرًا أو دارسًا للكتاب المقدس، خادمًا للرب أو مصلّيًا. فيا للمآساة!
صديقي ..النوم عامل أساسي لحياة صحية سليمة، لكن كثير منه مدمِّر للوقت والطاقة والحياة الروحية، وهو إهدار معيب لعطايا الله الصالحة. إن نوم المُشتغل حلو (جامعة5: 12)، والحكماء يستلذون بالنوم لأنهم يعلمون أنهم في مشيئة اللة (أمثال3: 24). أما النوم الكثير فهو عين الأنانية، فهو لا ينُمّ إلا عن حب الراحة وتدليل النفس وعدم تحمل المسئولية. فإن كانت الوصية الإلهية لنا«مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس5)، فليس إضاعته في النوم إلا علامة جهل مُطبَق. يقول الحكيم محذِّرًا: «إلى متى تنام أيها الكسلان؟ متى تنهض من نومك؟»(أمثال6: 9).
2-كثير الاحلام:
يستبدل العمل الدؤوب بالأحلام الوردية، فالأحلام لاتُكِّلف شيئًا، لذا تجده دائم الأحلام «اليوم كله يشتهي شهوة» (أمثال21: 26)، ليس فقط أثناء نومه الكثير، بل أيضًا في ساعات استيقاظه التي كان عليه أن يقضيها عاملاً لا سارحًا. لكنك تجده يرسم في خياله صورًا مُشرقة لِما يتمنى الحصول عليه، يحلم بالنجاح والتفوق تارة، بالغنى ويُسر الأحوال تارة أخرى. وبكثير من الأشياء التي يشتهيها. فإن كان مؤمنًا حقيقيًا فهو يحلم بالخدمة الكثيرة وبالثمر الوفير وبالحياة الروحية السامية. ولكن لا تتحقق الآمال بالأحلام أو بكثرة الكلام «نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها، ونفس المجتهدين تسمن» (أمثال13: 4). ويظل الكسول ساعات عمره خاملاً عقيمًا دون فائدة تُذكر، لنفسه أو لمن حوله، أسرته أو كنيسته أو من أوقعهم حظهم العاثر في أن يعمل معهم؛ فهو ليس إلا كالخلِّ للأسنان وكالدخان للعينين (أمثال10: 26)، ليس بالضرورة مؤذيًا لكنه مصدر ادائمًا للضيق والإزعاج. وتتحول أحلامه الوردية إلى كوابيس خانقة إذا ظل رافضًا للعمل والنشاط «شهوة الكسلان تقتله لأن يديه تأبيان الشغل» (أمثال21: 25).
3-مُعتد بنفسه:
ومع أنه لا ينجح في أي شيء يعمله بسبب كسله، إلا أنه دائم النصح للآخرين؛ فهو لا ينفك يدّعي القدرة على أن يخبر الجميع ماذا يفعلون وكيف ينجحون وما السبيل إلى الارتقاء!! كما أنك تجده دائم الشكوى من الظروف، فتجده يردِّد أن طريقه مسدود أو صعب مليء بالأشواك (أمثال15: 19)، أو يندب حظه العاثر الذي أوقعه وسط مجموعة من البشر لا يقدّرونه ولا يعظمون مواهبه ولا يعطونه الاهتمام اللائق به. وقد يُعزي سبب فشله الدائم لا إلى قلّة اجتهاده؛ بل إلى أنه أقل حظًا من غيره في هذه الدنيا الظالمة! فهو أوفر حكمة في عيني نفسه من السبعة الُمجيبين بعقل (أمثال26: 16)
4-كثير الاعذار:
الا يجيد الكسلان شيئًا؟ بلى.. هو بارع في انتحال المعاذير؛ فهو لن يعدم عذرًا لعدم العمل، أو لتقصيره في الخدمة مثلاً. فيمكن أن يعتذر بسوء الطقس، فالجو أبرد من أن يذهب للحرث (أمثال20: 4)، أو أنه يخشى من الأخطار، فلربما كان هناك أسد يتجول في الشوارع (أمثال22: 13)، المجتهد يحاول أن يجد منفذًا للعمل، أما الكسول فأمام الضروري من المسئوليات والعمل يبحث عن مخرج ليظل خاملاً «طريق الكسلان كسياج من شوك، وطريق المستقيمين منهج»(أمثال15: 19). وكثيرًا ما يقع في فخ الكذب ليجد عذرًا يبدو مقنعًا. وحسنًا ما عرّف أحدهم “الأعذار” قائلاً: “إنها غشاء من الحقائق محشو بالاكاذيب”. إنها الوسائد التي يسند عليها الكسلان رأسه، أو قُل إنها اللحاف الذي يحاول أن يختفي تحته.
فهل فيك، صديقي القارئ، أي من هذه الصفات؟! احترس فمصير الكسول جد تعيس.
للحديث عن الكسل بقية.