“من أكثر من عِقد مضى أدمنت الكحوليات والعقاقير، ويئست من الحياة حتى قررت أن ألقي بنفسي من النافذة. إلا أن الله في رحمته أعادني إلى الإنجيل، الذي عرفته في صباي. وأنا على ركبتيَّ قرأت عن آلام المسيح. وقد شفت جراحات المسيح جراحي! ومن هنا نشأت فكرة الفيلم عندي، ونويت - بمعونة الله - أن أتمِّمها. لم يكن ممكنًا ألا أن أخرجه!”.
ههذا جزء مما قاله ميل جيبسون Mel Gibson مخرج فيلم «آلام المسيح»The passion of the Christ في لقاء له على موقع ABCNews الإخباري. والفيلم عُرض في أمريكا لأول مرة في 25 فبراير الماضي، وبلغت مبيعاته 183 مليون دولار في أربعة أيام! وتوالت عروضه في آلاف دور العرض في العالم كله بين دموع المشاهدين وتأثرهم بشكل أو بآخر، حتى أضحى خبره على أفواه سكان بلاد العالم أجمع!
ولأن هذا الفيلم يمسّ أغلى وأهم ما عندنا، كان من الطبيعي أن يثير الكثير من الخواطر، ويرجعنا لنقرأ القصة من جديد كما دوّنها البشيرون في الأناجيل. وأشاركك بالقليل من هذه الخواطر:
من أجل من كل هذا؟
إن الفيلم قد صورّ مقدارًا من آلام المسيح الجسدية، اقشعرت لها الأبدان. لقد ارتفعت الآهات مع مشاهد الجلد الرهيبة، وتساقطت الدموع وقت الصلب. بالإجمال لقد انتزع مشاعر المشاهدين انتزاعًا. لكنه مجرد فيلم، ولم يكن ممكنًا لفيلم، مهما كانت براعة إخراجه وإخلاص منتجيه، أن يصوِّر أعماق حقيقة ما حدث في هذه الساعات من حياة المسيح؛ فمن يستطيع أن يصوِّر الآلام الكفارية التي احتملها المسيح قصاصًا لخطايانا في ساعات الظلمة الثلاث؟!
فإن كان ما أمكن أن يراه الناس يذيب القلب، فكم بالحري ما لا نستطيع أن نراه؟!
لقد كان ذلك من أجلي ومن أجلك أيها القارئ العزيز، فلم يمت المسيح ضحية غدر وافتراء، بل لقد أسلم نفسه بنفسه، بل لقد أتى إلى الأرض خصيصًا ليتمم غرضه هذا: أن يموت ليمنح الغفران لكل من يُقبِل إليه.
فهل تمتعت بهذا العمل؟ هل قبلت حبَّ المصلوب ونيابته عنك في حمل قصاص خطاياك؟ إذًا لأمكنك القول مع بولس الرسول «ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غلاطية2: 20)، وأن ترنم مع كل مفدي:
خلاني أكره كل خطية
على موقع BBC للأخبار جاء هذا الخبر: «وكان للفيلم أيضًا تأثير غير متوقَع على رجل في تكساس اعترف، بعد مشاهدته الفيلم، بأنه قتل صديقته. فقد اعترف دان ليتش (21 عامًا) بأنه قتل صديقته أشلي ويلسون (19 عامًا) التي عُثر على جثتها في 18 يناير الماضي، وقد كان قد أفلح في أن يصوِّر الأمر على أنها انتحرت. وفي اعترافه قال إن مشاهدته الفيلم جعلته يشعر بالندم. وقال ضابط الشرطة جيم بوكلودا من مقاطعة فورت بيند التي شهدت الحادث: إنه فيلم قوي جدًا، ويمكنه أن يجعل الانسان يفكر مليًا قبل ارتكاب أي إثم».
قال أحدهم قديمًا: «في ظل الصليب أكره الخطية. اشرحوا لي الخطية وأخطارها 100 مرة لن يؤثر ذلك كما يؤثر الصليب». فعند الصليب تكتشف كم أن الخطية بشعة، وقد ظهرت في كمّ الكراهية الرهيب الذي أظهره البشر لربنا يسوع المسيح، كما وتعرف أيضًا كم أن أجرتها رهيبة، فهي ليست أقل من الموت الرهيب الذي ذاقه الحبيب!
بعد أن تقرأ أو تسمع أو تشاهد قصة الصليب، هل ما زلت تحب الخطية؟ إنها التي صلبت ربّنا الكريم وحمّلته كل هذه الآلام، فكيف أحبّها بعد؟!
جراح حبيبي غالية عليَّ..
خلّتني أكره كل خطية..
واشتاق من قلبي أخدم إلي..
أحسن إليَّ..
الإنذار الأخير
ققال واحد يومًا: «نجار الناصرة الذي قلب العالم يومها، ماذا يهم عالم اليوم اللاهي؟». وفي المقابل قال جيبسون «أردت في الفيلم أن أصدم المشاهد ليعرف كم ضحّى المسيح لأجله».
إن الفيلم، بالضجة التي أثارها، وبانتشاره الواسع في شتى البقاع، وإذ رآه الناس بمختلف توجّهاتهم، يؤكد من جديد أن الله لا يكفّ عن توجيه دعوة محبته للجميع، بشتى الطرق والوسائل، في مختلف المناطق والبقاع. فهو بالحبِّ يريد أن الجميع ينتفع بعمل ابنه على الصليب فينالوا الغفران الكامل والقبول الإلهي والحياة الأبدية. ولكن ليحذر الكل، فقد تكون هذه الدعوة هي الدعوة الأخيرة، ولعلها كذلك، ولا عذر إذًا لواحد بأنه لم يسمع.
بدأ مرنم ترنيمته بالقول:
يسوع يدعوك: تعال أرجوك..
انظر آلامي وتاج الشوك..
وطوبى لمن قبل مثل هذه الدعوة..
فرجع للرب بالتوبة والإيمان، لكن لكل رافض يكمل القول:
تمضي يا مسكين للنار حزين..
تبكي ولا ينفع دمع العين..
تقول: ياريت كنت أصغيت..
ده كم دعاني لكني أبيت..
عزيزي: ما هو موقفك من الصليب والمصلوب؟! تذكر أن هذا ما سيحدد أبديتك!