الأخضر

إنه أحبّ الألوان إلى العين والنفس؛ رأى فيه قدماء المصريين إشارة للحياة الأبدية، ورأى فيه اليونانيون الجمال ممثَّلاً في إلهة الجمال (أفروديت). إنه لون الراحة والطمأنينة.

لكن ماذا يحمل لنا هذا اللون من معانٍ في كتاب الله، الموحى لا بالكلمات فقط بل والحروف، وأمامه يحلو للكبار والصغار الوقوف، لذلك رُحنا في رحابه نجول ونطوف، فكانت لنا هذه القطوف.

1- سلام الفداء في ورقة الزيتون الخضراء

بعد أن استقر الفُلك وتوقف الطوفان، أرسل نوح الغراب، فلم يرجع إليه إذ وجد راحته ولذّته بين الجِيَف. أما الحمامة، ذلك الطائر المسالم والطاهر، عندما أرسلها نوح رجعت إليه ومعها ورقة زيتون خضراء (تكوين 8: 11)، برهان الإثمار والحياة الجديدة وكأنها تقول: “إن الدينونة قد ولّت، والطمأنينة والراحة قد حلّت، وها شجرة الزيتون قد إخضرّت”. فالمسيح هو فلك الأمان، وهو وحده الذي تحمّل أجرة خطايانا، وبموته أسكت سيول الغضب وطوفان الدينونة. لقد مات وقام، وظهر للتلاميذ وهو يحمل لهم أغلى سلام، إنه سلام الفداء (يوحنا 20: 19).

2- أشهى غذاء في المراعي الخضراء

كان في الفلك طعام، والذين احتموا في المسيح صاروا رعيـّته، يطعمهم ويهتم بهم. قال الرب كالراعي «أنا أرعى غنمي وأُربضها» (حزقيال34: 15)، لذلك تغنى داود قائلاً: «في مراعٍ خُضرٍ يُربضني» (مزمور23: 2)، ففي ساعة الظهيرة يربض (يرقد) الخروف مستريحًا بعد أن ملأ معدته بالعشب النضير، فيعيد الطعام إلى فمه، ويمضغه جيدًا، متلذِّذًا بطعمه، ثم يعيده إلى معدته حيث يتم هضمه وامتصاصه والاستفادة منه.

ونحن ما أحوجنا، في عالم جفَّت ينابيعه ونضبت موارده، إلى مراعي الكلمة الخضراء، فكلمة الله «حيّة وفعّالة».(عبرانيين4: 12)؛ قال عنها إرميا النبي «وُجِد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (إرميا15: 16).

3- أسمى شركة في «سريرنا أخضر»

سفر نشيد الأنشاد هو سفر المحبة الإلهية، فلم تجد العروس وصفًا تصف به العريس أعظم من وصفه هو لها، لذلك خاطبته بالقول: «ها أنت جميل يا حبيبي وحلو وسريرنا أخضر» (نشيد الأنشاد1: 16). إن إلهنا حلو، وكلمته أحلى من العسل، وعندما نأتي إليه بكل ظروفنا يقينًا كل مُرٍّ سيمُرّ.

والسرير هو مكان الراحة والشركة، بعيدًا عن زحام العالم وضجيجه، «تعالوا أنتم منفردين إلى موضع خلاء واستريحوا قليلاً» (مرقس6: 31) والعروس هنا لا تقول “سريري” لأنه لا راحة لها بدونه، ولا “سريرك” لأن سرور الرب ولذّته معنا «لذاتي مع بني آدم» (أمثال8: 31). بل تقول العروس «سريرنا» لأن شركتنا مع إلهنا وحبيبنا تُنشئ سرورًا مُتبَادلاً «أتعشى معه وهو معي» (رؤيا 3: 20)، و«يلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب» (مزمور104: 34).

4- دوام الثمار في أحلى الديار

في مزمور 52 نجد مقارنة بين جبّار يفتخر بالشر، وبار لا يفتخر إلا بالرب، «أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله» (مزمور52: 8)، فالمؤمن مشبه بـ

  • زيتونة: أي نافع (قضاة9: 9) رغم أننا كنا قبلاً غير نافعين (فليمون 11).
  • خضراء: وسِرّ الإخضرار هو الثبات في المسيح (يوحنا15: 5).
  • في بيت الله: فلا نضارة أو إثمار بعيدًا عن الأجواء المقدَّسة، وممارسة وسائط النعمة «مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون. أيضًا يثمرون في الشيبة. يكونون دسامًا وخُضرًا» (مزمور92: 13-14)

5- الخالق الحنان وخضرة لخدمة الإنسان

مزمور 104 واحد من أبدع وأروع الفصول الكتابية، ففيه نستمع إلى أصوات الطبيعة: البحر والبَرّ، الشمس والسحاب، النبات والحيوان؛ حتى نصل للآية14 «المُنبت عُشبًا للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان». فاللون الأخضر هو لون الحياة والطبيعة. والخضرة من خضروات وفاكهة يعتمد عليها الإنسان في طعامه ولكن «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (متى4: 4). لكن ما أتفه الإنسان الذي ترك الخالق وراح يعبد الخليقة، فسجد لكل شجرة خضراء في جهل ووثنية (2ملوك16: 4).