ليفهم قارئي العزيز أننا لا نقصد بهذه المقالات أن نُقلِّل من شأن الآخرين؛ بل غرضنا أن نُعلّي ونُعظم اسم ربنا الكريم، ونظهر تفرّده عن كل من عداه حتى من العظماء.
وكما رأيناه في الأعداد السابقة كالأعظم من كل الملوك ممثَّلين في الملك سليمان، والأعظم من كل الأنبياء ممثَّلين في النبي يونان؛ سنرى الآن لمحات من عظمته الفائقة كرئيس الكهنة العظيم، والذي فاق على كل الكهنوت اللاوي. ولنأخذ أول رئيس كهنة وهو من تسمى الكهنوت باسمه، فنرى كيف كان المسيح أعظم من:
هارون وتجهيزه للخدمة
قبل أن يتولّى هارون مهام منصبه كرئيس كهنة، كان هناك إجراءات كثيرة أجراها له موسى لمسحه للكهنوت نذكر منها:
- كان يجب غسله بالماء ليكون طاهرًا بحسب الشريعة (راجع خروج 28، 29؛ لاويين 8).
أما المسيح فلم يكن له احتياج لشيء من ذلك لأنه «قدوس بلا شر ولا دنس» (عبرانيين7: 26)، ولا علاقة له بالخطية؛ إذ لم تكن فيه، ولم يعرفها، ولم يفعلها (1بطرس2: 22؛ 1يوحنا3: 5؛ 2كورنثوس5: 21). بل إنه هو الذي قد غسَّلنا من خطايانا بدمه (رؤيا1: 5). - بعد غسل هارون كان يلبس ثياب المجد والبهاء لسترهِ وليظهر بحالة لائقة أمام الله. لأن الخطية قد عرّت كل الجنس البشري بدءًا من آدم حين قال «لأني عريان فاختبأت».
أما المسيح فلا يوجد فيه شيء يجب ستره، ولا يحتاج لملابس خارجية تزيده جمالاً، فهو الكامل الأبرع جمالاً من بني البشر. وهو الذي بموته سَتر عرينا وألبسنا ثياب الخلاص وكسانا رداء البر (إشعياء61: 10). - احتاج هارون لذبيحة خطية يضع يده عليها لتحمل خطيته عنه. وكان يحتاج في كل سنة، وقبل أن يُكفّر عن خطايا الشعب، إلى دم ذبيحة يدخل به إلى الأقداس ليكِّفر عن نفسه أولاً (اقرأ لاويين16).
أما المسيح فلم يقدِّم عن نفسه، بل قدَّم نفسه ذبيحة خطية، وحمَلَ على الصليب إثم جميعنا، وبدم نفسه دخل إلى الأقداس السماوية، فوجد لنا فداء أبديًا (عبرانيين9: 11-12).
هارون وبدايته مع الشعب
بعد كل ما عُمِلَ له لتقديسه ليخدم في القدس؛ كان أول ما فعل هو أنه صنع عجلاً مسبوكًا من الذهب، وبنى له مذبحًا ونادى قائلاً: غدًا عيد للرب. يا للعجب! وبفعلته هذه جلب على الشعب خطية عظيمة، وعرّاه للهزء بين مقاوميه (اقرأ خروج32). هذا ما فعله أول رئيس كهنة.
أما المسيح فقد أرجع الملايين إلى الله من الأوثان، بعد أن نزع عنهم خطاياهم العظيمة وألبسهم الحُلّة الأولى، ليصيروا ذوي كرامة خاصة بين الناس.
هارون ونهايته مع الله
لقد حرمه الله - مع موسى - من دخول أرض الموعد مع الشعب، بسبب ما حدث عند ماء مريبة قادش (عصى قول الرب خان الرب اقرأ عدد20؛ تثنية9، 32)، والنتيجة لذلك غضب الرب عليه، وجاء اليوم الذي خلعوا عنه ثيابه ومات على رأس جبل هور، ولم يدخل الأرض، وبكاه الشعب ثلاثين يومًا.
أما الأعظم فهو الوحيد الذي قال للآب «أنا مجّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4). وفي نهاية خدمته على الأرض خلعوا عنه ثيابه، وبعد جلده نزعوا عنه الرداء، ومات على جبل الجلجثة. وإن كان هذا قد أبكى التلاميذ ثلاثة أيام، لكنهم رأوه بعد القيامة وفرحوا برؤيته.
هذا هو أول رئيس كهنة! وماذا عن آخر رئيس كهنة الذي على يديه قُتل المسيح.
لكن لنكف عن الإنسان. وليتك عزيزي القارئ تقرأ وبعناية رسالة العبرانيين والتي فيها نرى عظمة كهنوت ربنا يسوع على الكهنوت الهاروني. ذاك الذي قيل عنه «فإذ لنا رئيس كهنة عظيم»، وأيضًا «وكاهن عظيم على بيت الله» (عبرانيين4: 41؛ 10: 21).
فما أعظمه!