تحدثنا في العدد السابق عن فقدان خطة الله في حياتنا. ورأينا السبب الأول الذي يؤدي إلى ذلك وهو إهمال الشركة مع الرب والابتعاد عن محضره. ونواصل في هذا العدد الحديث عن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى فقدان هذه الخطة الصالحة التي رُسِمَت لنا قبل الدهور.
(2) محبة العالم والتأثر به.
هذا ما حذر منه الرسول يوحنا المؤمنين الأحداث في عائلة الله. فكان يعلم أن نداء العالم قوي وإغراءه شديد خاصة للشباب. ويقينا إذا تأثر المؤمن بروح العالم ومبادئ العالم الحاضر الشرير، فإن هذا سيجنح به بعيدًا عن خطة الله من جهته. وهذا ما حدث مع لوط الذي كان سائرًا مع ابرام. فقد خرج معه من أور الكلدانيين، ومن حاران، وذهب معه إلى أرض كنعان. ويوم نزل ابرام إلى مصر نزل معه لوط. وهناك رأى العالم في جاذبيته وبريقه، فتعلق به واشتهى ما فيه. صعد ابرام من مصر بعد أن رُدت نفسه، لكن لوطًا كان لا يزال متعلقًا بها. وعندما أعطيت له الفرصة للاختيار اختار لنفسه كل دائرة الأردن لأن جميعها سقي، ورآها كجنة الرب كأرض مصر. ونقل خيامه إلى سدوم. وكان أهل سدوم أشرارًا وخطاة لدى الرب جدًا. ورغم أنه تعرض للسبي، لكنه أصر على أن يعود إلى هناك. وأراد أن يعيش حياته ويستمتع بها وسط ملذات العالم ومسراته المختلفة. وماذا كانت النتيجة؟ لقد نجح زمنيًا وأخذ وضعًا متميزًا في المدينة إذ نراه جالسًا في باب المدينة يحكم حكمًا. لكنه كان يعذب نفسه البارة كل يوم بانظر والسمع. وكان مغلوبًا، مع أنه بار، من سيرة الأردياء في الدعارة. لقد فقد خطة الله في حياته، وفقد الشهادة المؤثرة، وانطفأ روحيًا. وخسر كل شيء حتى أسرته وزوجته، وخلص كما بنار من وسط الحريق الذي دمر مدن الدائرة (تكوين13، 19). وذات الشيء حدث مع ديماس في العهد الجديد. لقد كان ديماس خادمًا للرب ورفيقًا للرسول بولس. وكان نشيطًا ومجتهدًا في الخدمة. لقد كتب الرسول بولس يقول لفليمون «يسلم عليك… ديماس ولوقا العاملون معي» (فليمون24). وبعدها كتب رسالة كولوسي يقول «يسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب وديماس» (كولوسي4: 14). فالذي كان متقدمًا ومجتهدًا قد تراجع. وما عاد له نفس الحماس والغيرة والمحبة الأولى للرب. وأخيرًا نقرأ في آخر رسالة كتبها الرسول بولس قبيل رحيله إلى المجد هذه الكلمات المؤثرة: «ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي… لوقا وحده معي» (2تيموثاوس4: 10 ،11). إن تيار العالم جارف، وكم جرف أمامه مؤمنين كانوا يومًا لامعين وناجحين. لكنهم تحت تأثير إغراء العالم انخدعوا، وذهبوا وراء آمالهم وطموحاتهم وشهوات قلوبهم، ورأوا في ذلك مصلحتهم. وشعروا أن تبعية الرب مُكلّفة، ولم يعجبهم الطريق الضيق. وكأنهم يكررون القول «وما المنفعة». لقد فقدوا خطة الله، وكان من الممكن أن يكونوا نافعين لخدمة السيد ومستعدين لكل عمل صالح. ويا لها من خسارة فادحة. دعونا نتحذر من هذه الأمثلة ونسمع نصيحة الرسول يوحنا الذي قال: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم… لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. ليس من الآب بل من العالم» (1يوحنا2: 15، 16).