قال أحد القراء:
لقد مللت من الأرض وأخبارها، فأحداثها دامية، ومستقبلها مظلم، وصارت كل الألوان لونًا واحدًا، ولم يعد الأبيض سيد الألوان، وصارت الأخبار السارة نادرة، وكأنها مرفوعة مؤقتًا من الخدمة.
قلت له: لا تيأس فلدينا أخبار سارة، وهي سماوية وليست أرضية، فإن كنت سئمت من الأرض ولونها السوداوى فها نحن نكتب لك وللقراء الأعزاء عن السماء ولونها.
هذا اللون يمثل “أثينا” إلهة الحكمة عند الإغريق، و“چوبيتر” إله السماء عند الرومان، وعند المتصوفين هو لون النفس ورمز للأبدية، وعند النفسانيين لون الهدوء والسكينة. ولأنه لا يوجد في اللغة الهندوسية كلمة للسماء لذلك يستخدمون كلمة “أزرق” ويعنون بها السماء. وهو من الألوان الباردة ذات التأثير المهدّئ للأعصاب. أما في الكتاب المقدس فنرى الأزرق السماوي أو «الإسمانجوني» بكثرة في وصف سجف وستائر خيمة الإجتماع، وملابس الكهنة، والحجاب والشُقق الجميلة.
والإسمانجوني لون جميل ينطق بحقائق خطيرة وهامة وهي:
1- المسيح هو باب السماء:
إن باب خيمة الاجتماع الخارجي وباب القدس مصنوعان من خامات أربع، أولها الإسمانجوني. وهو رمز جميل للمسيح الذي يسميه الرسول بولس «السماوي» (1كورنثوس15: 48). فالمسيح هو الذي نزل من السماء والذي صعد إلى السماء الذي هو في السماء (يوحنا3: 13). وهو الباب الوحيد للسماء كما قال بفمه الكريم «أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى» (يوحنا10: 9). وقال أيضًا «أنا هو الطريق... ليس أحد يأتي إلى الآب (أبانا الذي في السماوات) إلا بي» (يوحنا14: 6). لذلك يقول الرسول «يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح» (1تيموثاوس2: 5). لكن نلاحظ أن الباب ليس عليه “كروبيم” (ملائكة قضاء أقامها الرب لحراسة طريق شجرة الحياة - تكوين3: 24)، وذلك «لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم» (يوحنا3: 17).
2- المسيح هو الذي فتح لنا السماء:
الحجاب، نظير الباب، أول ألوانه الإسمانجوني، ولكن مرسوم عليه الكروبيم؛ وكأنه يقول للإنسان: “ممنوع الدخول إلى الأقداس” والحجاب رمز للمسيح الذي أعلن قداسة الله. وقد شعر بذلك بطرس عندما قال له «اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ» (لوقا5: 8). والمسيح واجه الكروبيم وسيفه الملتهب ليفتح لنا الطريق لى الأقداس. تأمله في صرخته الأخيرة فوق الصليب «فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل» (متى27: 50 ،51). وبذلك أعلن لنا أيضًا محبة الله ونعمته. وما أعظم النتائج التي حصلنا عليها إذ يقول الرسول «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة (جرأة) بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرّسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده» (عبرانيين10: 19). كانت ساعة انشقاق الحجاب متزامنة مع ساعة تقدمة البخور المسائية (خروج30: 8)، وربما كان الكاهن يقف أمام مذبح البخور قدام الحجاب، وإذ به يراه قد انشق، ويظهر قدس الأقداس أمام عينيه، يا له من رعب بالنسبة له، أما بالنسبة لنا فلا نرتعب، فالمسيح حبيبنا ومخلِّصنا فتح لنا الأقداس.
3- المسيح حي لأجلنا في السماء:
كان لرئيس الكهنة رداء إسمانجوني وله زنار إسمانجوني يشده (خروج28: 8)، وهذا يشير إلى خدمة المسيح الكهنوتية «فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد إجتاز السماوات» (عبرانيين4: 14)، «لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد... بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا» (عبرانيين9: 24)، وأيضًا «له كهنوت لا يزول. فمن ثَمّ يقدر أن يخلِّص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم» (عبرانيين7: 24 ،25).
ولكن ما علاقة المسيح السماوي بالإنسان الساقط الترابي؟
المسيح السماوي + الإنسان الترابي بالنعمة إنسان سماوي
صحيح إننا مقرّسون من طين، وترابيون، إلا أننا ارتبطنا بالمسيح السماوي لذلك صرنا سماويين. «وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا» (1كورنثوس 15: 48)؛ فياللغبطة إذ:
- دعوتنا سماوية: وولادتنا من فوق، بل وصرنا شركاء الطبيعة الإلهية (عبرانيين3: 1؛ يوحنا3: 3، 2بطرس1: 4).
- أسماؤنا كُتبت في السماوات: (لوقا10: 20).
- كنوزنا في السماء: (متى6: 20).
- قلوبنا في السماء: (متى6: 21).
- الله باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح: (أفسس1: 3).
- سيرتنا (دولتنا ورعويتنا) في السماوات: (فيلبي3: 20).
- رجاؤنا وانتظارنا مجيء المسيح من السماء: (كولوسي1: 5؛ 1تسالونيكي1: 10).
عزيزي الشاب:
أعرف أن إحساسك مرهف، وذوقك عالٍ، وهذا يبدو من اختيارك لألوان ملابسك.. لكن ما هو لون أبديتك؟ سماء صافية أم نيران قاسية؟
الاختيار اليوم لك.