وقف أحد مُلاّك الأراضي الأثرياء في شرفة قصره الفخم، يتطلع إلى أملاكه الشاسعة الممتدة إلى الأفق، ثم هتف: “كلّ هذا ملكي!” ثم نزل وامتطى صهوة جواده، وأخذ يتجول به ليتفقد أطيانه.
وأثناء تجواله، لمح “هاينز” العجوز، عامل الأرض الذي يشتغل عنده، وقد جلس تحت إحدى الأشجار، ووضع أمامه طعامه، ثم خلع قبعته وكشف رأسه، وبدأ يقدّم الشكر للآب السماوي، الذي منه تفيض كل العطايا الصالحة.
تأمل صاحب الأرض في هذا الرجل الفقير العجوز، وما أن انتهى من صلاته حتى قال له: حسنًا ياهاينز.. كيف حالك اليوم؟ تبدو سعيدًا جدًا ياهاينز!!
- هل أنت هو يا سيدي؟ لقد ثقلت أذناي في الأيام الأخيرة، كما أن نظري ضعُف أيضًا، ولكني سعيد.. نعم، في الحقيقة أنا سعيد، ولدي العديد من الأسباب لذلك: فالآب السماوي يعطيني الكساء والقوت اليومي، كما أنه يوجد سقف يأويني، وسرير لا بأس به أنام عليه، وهذا يفوق ما كان يمتلكه مخلّصي المبارك حينما عاش هنا في هذه الأرض، فهو لم يكن له أين يسند رأسه. وقد كنت أشكر الله الآن لأجل هذه المراحم حينما ظهرت أنت.
تفرس مالك الأرض في طعام هاينز القليل التافه، الذي كان مكوَّنًا من قليل من شرائح الخبز وقطعتين من الجبن المغموس في الزيت، ثم قال: هل هذه عينة الطعام الذي تشكر الله لأجله يا صديقي المسكين! لو كان هذا هو كل ما لدي لأجل غذائي لكنت تعيسًا جدًا. فقال هاينز بدهشة: تعيسًا جدًا!! ولكنك لا تعرف ما أمتلكه. إن حضور الرب يسوع مخلّصي في داخل قلبي، يعطي حلاوة لكل ما يعطيني الله إياه. وهو وحده - ولا سواه - كل ثروتي، كل عدّتي وعتادي، وكل مشتهاي، وفيه ما أرجو وأكثر.. إنه مخلّصي الحي الذي أثق فيه من جهة أعوازي اليومية، روحية كانت أم زمنية. وما من يوم يشرق له فجر إلا والمعونة الإلهية تتجدد باستمرار، وفي كل صباح جديد أستطيع بكل ثقة أن أقول: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني» (فيلبي4: 13). وفي مساء كل يوم أستطيع أن أترنم قائلاً: «جعلتَ سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم. بسلامةٍ أضطجع بل أيضًا أنام، لأنك أنت يا رب منفردًا في طمأنينةٍ تسكّنني» (مزمور4: 7،8). آه، لقد تذكرت شيئا.. هل يمكنني أن أخبرك يا سيدي بحلم رأيته في الليلة الماضية؟
- طبعاً يا هاينز، أخبرني بحلمك.
- بالأمس وبينما كنت أستعد للنوم، انشغل فكري وقلبي بالوطن السماوي، حيث المنازل الكثيرة المُعدَّة في بيت الآب لأولئك الذين آمنوا بالرب يسوع المسيح كمخلِّصهم الشخصي الذي بذل نفسه لأجلهم علي الصليب. وفجأة شعرت بنفسي وقد انتقلت إلي المدينة السماوية، وقد كانت أبوابها مفتوحة بسعة، واستطعت أن أتأمل في تلك الأماكن المباركة. آه يا سيدي، إن المجد والجمال اللذان رأيتهما لا يمكن لأي لسان أن يصفه! طبعًا كان الأمر كله مجرد حلم، ولكن يوجد شيء واحد هام أريد أن أخبرك به.
- وما هو؟! (قالها مالك الأرض بضيق وتبرم).
- لقد سمعت صوتاً يقول: إن أغنى رجل في الولاية سيموت في هذه الليلة. وبعد ذلك طرقت أذناي أعجب الترنيمات الحلوة، وسمعت صوت الهللويا يطرب أذناي. وفي تلك اللحظة استيقظت. وقد شعرت أنه من الواجب عليَّ أن أخبرك، فربما تكون هذه الكلمات تحذيرًا لك.
عند هذا الحد شحب وجه مالك الأرض، ولكنه حاول أن يخفي المخاوف التي أطبقت عليه، فأجاب بصوت مرتفع: كلام فارغ! يمكنك أنت أن تصدِّق الأحلام إذا أردت، ولكن أنا لا أصدقها.
ثم اندفع يعدو بحصانه بسرعة عظيمة، بينما نظر هاينز العجوز إليه، وصلى قائلاً: يا رب من فضلك خلِّص نفسه إذا كان حقاً سيموت بهذه السرعة. وبعد ساعتين من هذا الحديث، وصل مالك الأرض إلى قصره، واندفع بعجلة إلى غرفته، ورمي نفسه فوق الأريكة وهو يشعر بالإنهاك الشديد، وأسرع باستدعاء طبيبه الخاص الذي فحصه بدقة علي مدي عدة ساعات، ثم طمأنه وهو يضحك قائلاً: أحلام! إنها خداع وأوهام. لقد كنت أظن أنك أعقل من أن تصدق مثل هذه السخافات؛ أنت تموت الليلة؟! هذا سخف! إنك تتمتع بصحة ممتازة.
وكان الوقت قد قارب العاشرة مساءً حينما غادر الطبيب منزل مضيفه. وفجأة، وفي نفس تلك اللحظة، وما أن فتح الباب حتى قال الطارق: آسف لإزعاجك يا سيدي، لقد أتيت لأخبرك بأن هاينز العجوز قد مات فجأة هذا المساء، ولكني أسألك بخصوص ترتيبات الجنازة في الغد.
وهكذا تحقق حلم هاينز العجوز! إن أغنى رجل في لم يكن مالك الأرض الواسعة الخصبة، ولكنه كان ذلك العامل الفقير الذي عاش حياته في كوخ حقير!
أيها القارئ العزيز: ما هو الحال معك؟ هل أنت غنيًا لله؟ (لوقا12: 21). هل أنت غنيًا بكنوز السماء كما كان هاينز العجوز؟ وهل مخلّصه: الرب يسوع، هو مخلِّصك، أم أنت تبحث عن غنى العالم الزائل؟ تأكد يا عزيزي أنك ستصبح أغنى إنسان في العالم إذا آمنت بالرب يسوع المسيح الإيمان القلبي الصحيح. ستتمتع، ليس بالغنى الأرضي، ولكن بالغنى السماوي الذي لا يزول، غنى المسيح الذي لا يُستقصى (أفسس3: 8). لأنه إن كان لنا المسيح فلنا كل شيء، وإذا لم يكن لنا المسيح فلا شيء لنا. نستطيع أن نعيش سعداء حتى وإن كنا لا نملك مالاً أو حرية أو والدين أو أبناء أو أصدقاء؛ إذا كان المسيح لنا. ولكن إذا لم يكن المسيح لنا، فلا المال ولا الحرية ولا الوالدين ولا الأصدقاء تستطيع أن تجعلنا سعداء.
المسيح بدون أي شيء آخر هو الغنى الجزيل، وكل شيء بدونه هو الفقر المدقع.
إنه طعام للجوع.. وماء للعطش.. ونور للظلمة.. وفرح للحزن..
وراحة للتعب.. وصحة للمرض.. وتعزية للشدة.. وثروة للفقر..
وصُحبة للوحشة.. وعون للأثقال.. وأمان للخطر.. ومخبأ من الريح..
وإرشاد للحيرة.. وحرية من القيود.. ونصرة للحرب.. وقوة للجهاد..
وغفران للمذنوبية.. ومحبة للبغضة.. وقدرة للضعف.. ودواء للمريض..
وحياة في الموت.. هو مورد لا يجفّ، ومَعين لا ينبض.. إنه الأزلي الأبدي..
هذا هو المسيح للمسيحي الحقيقي.
ليتك لا تتردد في الإتيان الآن إليه بالإيمان لتتمتع بهذا الغنى المؤكد.