شهدت مدينة أثينا، موخَرًا، حدثًا رياضيًا عالميًا حيث ذهب آلاف الرياضيين من 202 دولة مختلفة ليتنافسوا في مختلف اللعبات الرياضية بحثًا عن الميداليات والإنجازات في دورة الألعاب الأوليمبية الحديثة رقم 28·
وللألعاب الأوليمبية تاريخ بالغ القِدَم يعود إلى عام 776 ق·م، حيث كان اليونانيون القدامى يقيمونها كطقس مخصص لإرضاء الآلهة، وكانت تُعقَد في ساحات إستاد أوليمبيا الشهير المجاور للمعابد الأسطورية لـ«زيوس» و«هيرا» آلهتهم المزيفة· استمرت الألعاب الأوليمبية القديمة حتى عام 393 م·في عهد الإمبراطور «ثيودوسيوس» حيث اعتبرها نوعًا من أنواع الكفر والوثنية فألغاها·
أما إحياء الألعاب الأوليمبية الحديثة فجاء على يد البارون الفرنسي «بيير دى كوبرتين»، حيث عقدت الدورة الأولى عام1896 في أثينا ولم تكن المنافسات في البداية تزيد عن الماراثون، المصارعة، رفع الأثقال، المبارزة، والسباحة·
ولقد اعتاد الرسول بولس استخدام صور رياضية في كتاباته، خاصة في الرسالة إلى كورنثوس حيث كانت الألعاب الأوليمبية تُعتبر حدثًا مألوفًا بالنسبة لهم، وكان يُعقد لديهم أيضًا منافسات الألعاب الإثمانية Isthmian والتي تلي الألعاب الأوليمبية في الأهمية·
ويشبِّه الرسول بولس الحياة بالسباق، ويحثّنا على الركض جيدًا لكي نربح· البعض لا يشاركون في السباق؛ هم الذين لم يقبلوا المسيح مخلِّصًا· أما لمن قَبِل المسيح؛ فقد بدأ السباق· وعلى خلاف المنافسات الأرضية التي لا يفوز فيها غير متسابق واحد، فجميع المؤمنين مؤهلون للفوز إن ركض جميعهم حسنًا· ولكي نفوز علينا أن نعلم وننفذ بعض التعاليم الهامة·
1-الهدف
أمام الرياضي، وبالأخص في سباقات الجري، هدفًا يسعى إليه؛ إنه لا ينظر يمنة أو يسرة، وعيناه لا تحيدان عن خط النهاية، سعيًا للفوز وانتظارًا للحظة التتويج· فهل نسعى نحن أيضًا نحو الغرض؟
لقد كان السعي للهدف واضحًا جليًا في حياة السيد الذي أعلن في يوحنا4: 34 أنه قد أتى ليصنع مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله· ولم يدَع المسيح شيئًا يعوّقه عن إتمام الغرض (متى4: 1-11؛ يوحنا6: 15؛ متى16: 21-23؛ متى11: 25)·
وكان الهدف عند الرسول بولس هو شيء واحد؛ أن ينسى ما وراء ويمتد إلى قدام ويسعى (أو يجري في سباق الحياة)، واضعًا الجعالة (المكافأة) العُليا نصب عينيه· لذا فلم يكن يريد أن ينشغل إلا بالدعوة الإلهية لحياته، وهي أن يربح الكثيرين للمسيح (1كورنثوس 9: 16)، فكان مستعدًا أن يفعل كل شيء ليتم ذلك (1كورنثوس9: 22)·
صديقي هل تنشغل بالهدف الذي أوجدك الله في الحياة لأجله؟ أم إنك تسعى في الحياة دون غرض واضح، مشغولاً بنفسك ورغباتك التي لا تنتهي؟!
علينا أن نعرف ما يريده الله من حياتنا، فنحيا لأجله، ونركض حسنًا لننال الإكليل في نهاية السباق (2كورنثوس5: 10)·
2-التدريب
لأجل تحقيق هذا الغرض، ولأجل نوال هذه الميدالية السماوية، يلزم الكثير من التدريب الشاق والمكثَّف· أوصى الرسول بولس تلميذه تيموثاوس أن يروِّض (يدرّب) نفسه لأجل حياة التقوى (1تيموثاوس4: 7)· وكان هو نفسه يدرِّب نفسه ليكون له ضمير بلا عثرة (أعمال24: 16)· وهو يحرِّضنا أن نحاضر (أي نجري) بصبر وإصرار في الجهاد (أو في السباق) الموضوع أمامنا (عبرانيين12: 1)، وفي هذا السبيل علينا أن نطرح كل ثقل؛ ولقد أوضح المسيح أن ما يثقلنا يمكن أن يكون خُمَار وسكر وهموم الحياة (لوقا21: 34)· فلنحذر من أن يعطلِّنا عن الركض ملاهي الحياة المختلفة أو همومها وارتباكاتها· كما فلنطرح أيضًا الخطية المحيطة بنا بسهولة (أو التي يمكنها أن توقعنا في حبائلها بسهولة)، وكل منا أعلم بمواطن الضعف فيه، لذا فليأخذ كل منا حذره مما يعطله·
3- المكسب
إذا كان الرياضي يبذل كل هذا المجهود العنيف في التدريب، ويمارس ضبط النفس والحرمان من أشياء قد ترغبها النفس بشدة، لكي يربح إكليلاً أرضيًا يفنى؛ فكم بالحري مَن يركضون في سباق الحياة لكي يربحوا ما لا يفنى بل يبقى إلى الأبد؟!
قال الرسول بولس «ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا تُرى؛ لأن التي تُرى وقتية، أما التي لا تُرى فأبدية» (2كورنثوس4: 18)·
قال أحد الأبطال الأوليمبيين (إريك ليدل - الحاصل على أوليمبية 400م عدو في أولمبياد 1924 في باريس) «كانت مشاركتي في الأولمبياد خبره عظيمة مكَّنتني من أن أحقِّق لوطني ميدالية ذهبية، لكن منذ أن كنت صغيرًا كانت عيناي على جائزة مختلفة، إن كل واحد منّا في سباق أعظم من أي سباق خُضتَه في باريس، وينتهي هذا السباق عندما يعطينا الله الأكاليل التي لا تفنى»· لذا فقد ترك إريك كل مجده وشهرته كرياضي ذائع الصيت في بريطانيا تنتظر منه بلادة المزيد من الميداليات الذهبية، ورحل إلى الصين ليخدم الرب هناك حيث شعر أنها المكان الذي يدعوه الله إليه·
نعم إن الرياضة الجسدية نافعة لقليل، ولكن التقوى نافعة لكل شيء· إذًا فلنسعَ نحو الهدف الذي إليه دُعينا، لنربح ما لا يفنى·
قال جيم إليوت «ليس غبيًا من يعطي ما لا يستطيع أن يحتفظ به ليربح ما لا يستطيع أن يفقده»·
4- الخسارة
قال الرسول بولس: «أضارب كأني لا أضرب الهواء» (1كورنثوس9: 26)·
في الملاكمة، حيث ربحت مصر في دورة أثينا ثلاث ميداليات؛ يمكن أن يوجِّه الملاكم لكمات عديدة قويه، لكنها لا تُحتسب ما لا يصيب الهدف وهو وجه الملاكم أو الجزء الأعلى من جسده·
ويخبِرنا الرسول أن «مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل ··· مع أجناد الشر الروحية في السماويات» (أفسس6: 12)؛ فسنخسر كثيرًا إذا وجّهنا لكماتنا إلى اتجاهات أخرى، أو إذا انشغلنا بحروب جانبية لا داع لها· يخسر أيضًا من لم يتعلم أن يجعل رغباته تحت السيطرة (1كورنثوس9: 27)، لن يخسر الأبدية بطبيعة الحال، فالحديث هنا عن الأكاليل وليس عن الأبدية·
سُحبت الميدالية من بعض الرياضيين لثبوت تناولهم المنشِّطات، فهؤلاء لأنهم لم يتدربوا جيدًا حاولوا أن يصلوا إلى الميدالية بطرق غير قانونية، بتعاطي بعض العقاقير المنشطة؛ ويخبرنا الكتاب أن «إن كان أحد يجاهد لا يكلَّل إن لم يجاهد قانونيًا» (2تيموثاوس2: 5)، لذا لزم أن يخبرنا أفضل من خدم الرب (الرسول بولس) أنه إن لم يقمع جسده ويستعبده سيصير مرفوضًا ( disqualified أي غير مؤهَّل للجائزة)·
ولعلك توافقني أنه هناك الكثيرين من رجال الله قد خسروا الكثير بسبب عدم قمع رغبات الجسد؛ فقد خسر لوط الكثير، وأضاع شمشون عمره ومكافأته، وراح من ديماس إكليله لأنه ترك الخدمة إذ أحب العالم الحاضر· خسر هؤلاء لأنهم لم يتعلموا أن يقولوا لرغباتهم «لا»·
لذا فلنحذر ولنطلب نعمه من الله في كل يوم من أيام الحياة·