عاد الشاب للقاء صديقه الشيخ بعد طول غياب، وهو لا يزال يذكر ما دار بينهما في أخر لقاء لهما. ولكنه في هذه المرة كان مترددًا، أن يتكلم بما عنده لصديقه أم لا. وإذ لاحظ الشيخ ذلك ابتسم وفاتحه بالقول:
* أرى أن عندك ما تقوله .
- نعم، لكني في الواقع أخشى أن أُخبرك بما عندي لئلا أصيبك بالإحباط.
* تكلم ولا تقلق يا عزيزي. فمهما كان من الأمر فإن أمورنا في يد الرب، لذلك لا نفشل. قُل ما عندك.
- هل تذكر آخر لقاء لنا وكلامنا فيه عن المبادئ المسيحية ؟
* نعم أذكره رغم الوقت الذي مضى عليه.
- لقد أُعجبت جدًّا بهذه المبادئ، وقررت أن أطبقها في حياتي.
* عظيم، أنها رغبة رائعة.
- مشكلتي أنني لا أستطيع أن أعيش ما قُلته لي. لقد بذلت كل جهدي وحاولت بكل الوسائل لكن كانت النتيجة أنني لم أفعل الكثير مما يجب أن أفعله، وفعلت الكثير مما كان يجب ألا أفعله.
* وبعد.
- أشعر أنني بعيدًا جدًّا عن الله ولا يمكنني أن أُرضيه، وأنني شخص لا يصلُح لأن يعيش مثل هذه المبادئ العظيمة.
* يا صديقي، إني أعرف حجم مشكلتك وقد عانيت منها من قبلك.
- هل عانيت أنت أيضًا منها ؟! كنت أظن إني الوحيد الذي يواجه هذه المشكلة، أو على الأقل أن مشكلتي أكثر شدة من الآخرين.
* لست وحدك، بل إننا جميعًا لا نستطيع أن نفعل شيئًا من ذواتنا أو أن نُرضي الرب بمجهوداتنا. وهكذا أخبرنا الرب حين قال «بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا15: 5)
- هل يقصد أننا لا نستطيع فعل الأمور العظيمة بدونه؟
* بل لا نستطيع فعل أبسط الأمور بدونه. لقد شبّهنا الرب بالأغصان وشبّه نفسه بالكرمة (يو 15: 4، 5)، وبالتأكيد أنت توافقني أن الغصن لا يقدر أن يأتى بأبسط الثمار بل ولا حتى أن يُخرج ورقة واحدة إن لم يكن ثابتًا في الكرمة مستمدًا منها قوة الإثمار.
- بكل تأكيد فهو يستمد كل مظاهر حياته من الكرمة.
* ونحن إذا حاولنا مهما حاولنا بدون الرب ستكون النتيجة أن نستنفذ طاقاتنا دون جدوى، والنهاية فراغ داخلي عميق واحساس بالفشل والبُعد عن الله. أو ربما نحاول خداع أنفسنا بمظهر خارجي دون حياة تقوية حقيقية في القلب .
- فبماذا تنصحني إذًا؟
* اعلم أن الرب مهتم جدًّا بأن تعيش هذا المستوى العظيم، بل أنه هو مَنْ أوجد في داخلك الأشواق لهذه العيشة وهو الوحيد الذي يستطيع أن يتمم فيك مايسّره «لأن الله هو العامل فيكم أن تُريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة» (فيلبي2: 13).
- وما الذي يجب عليَّ أن أفعله إذًا؟
* اعتمد على الرب في كل شيء، أُطلب منه الحكمة لتعرف كيف تسلك، وانتظر منه العون والقوة لتنفيذ ما ينصحك به.
- وكيف أتمم ذلك؟!
* اقترب منه. في صلاتك إحكِ معه عن كل أحوالك، شاركه بمشاعرك ومخاوفك وضع أمامه فشلك. ولتكن صلاتك إعلانًا عن ضعفك وعجزك دونه وفي نفس الوقت عن اعتمادك الكامل عليه. وصلِ واثقًا أن فيه كل الكفاية لإعانة ضعفك ولتتميم مسرته فيك. واقترب من كلمة الله أكثر، فستجد فيها ارشادك وتقويمك وتجد القوة أيضًا.
- وهل سألاحظ في حياتي تغييرًا؟
* بكل يقين سيكون هناك تغيير، لكني أنصحك ألا تنظر لنفسك كثيرًا ويكفيك أن تثق أن الرب ينوي ويستطيع أن يفعل بك الكثير. فمن بدأ فيك بالعمل الصالح سيكمل (فيلبي1: 6).
وصلى الصديقان معًا ثم افترقا وصديقنا الشاب قد وجد راحة في كفاية الرب وامكانياته وفي ثقته أن الله لابد أن يكمل العمل فيه.