نحن لا نعرف الكثير عن حياة ربنا يسوع المسيح في طفولته أو في شبابه المبكر قبل أن يبدأ خدمته الجهارية في سن الثلاثين. لكن موقفًا واحدًا سجله لنا الروح القدس في الكتاب المقدس كشف لنا عما كانه المسيح من كمال فريد طوال هذه السنين (لوقا2: 41-52)
فعندما كانت له من العمر اثنتا عشرة سنة صعد أبواه إلى أورشليم ومعهما الصبي يسوع في عيد الفصح. وبعد أن أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. وإذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف. ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه. وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسًا وسط الشيوخ يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته. فلما أبصراه اندهشا. فقالت له أمه لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغى أن أكون في ما لأبي. ثم نزل معهما وكان خاضعًا لهما. وفي هذه الحادثة نتعلم سبعة دروس هامة :
(1) في هذه السن المبكرة كانت للمسيح اهتمامات مقدسة تختلف عن اهتمامات رفقائه في العمر خاصة في مناسبة العيد، حيث عادة ما تتركز اهتمامات الصبية في اللهو والمرح في التسليات والرحلات .
(2) كانت له طاقة خاصة ولذة خاصة فى الأمور الروحية، فمكث ثلاثة أيام متصلة أو أكثر، بعيدًا عن أبويه وهو صبى صغير، في الهيكل، يستمع ويتحدث من الكتب المقدسة دون ملل.
(3) أخذ مركز المتعلم وسط الشيوخ المعلمين وهذا جزء من كماله الإنساني إذ ما كان يليق بصبي صغير أن يعلم الشيوخ. وكان يحترم الشيوخ ويوقرهم. وهو في ذلك مثال لكل الشباب في احترام الأكبر سنًا.
(4) كان عارفًا بالكتب المقدسة منذ الطفولية. وكان فاهمًا وحافظًا للشريعة في قلبه. أنه الرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا - فقد تربى في جو من التقوى والتقدير والحب لكلمة الله.
(5) كان مُسرعًا في الاستماع مبطئًا في التكلم. يسمع ويسأل. وعندما يتكلم أو يجيب إذا صمت أو تعثر الشيوخ فكان يتكلم بنعمة واتضاع وليس بروح العُجب والكبرياء، حتى أنهم بُهتوا من فَهمه وأجوبته. لقد انطبقت عليه الكلمات «أكثر من كل معلميَّ تعقلت لأن شهاداتك هي لهجي. أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك» (مزمور119: 99-100).
(6) كان يُدرك تمامًا علاقته بأبيه السماوي. فعندما قالت له مريم «هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين» كان جوابه «لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي». وكان يتمتع بهذه العلاقة طوال حياته على الأرض. إذ مكتوب «أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا» (عبرانيين1: 5). وكان يدرك أنه موجود في هذا العالم ليتمم إرادة أبيه.
(7) نزل معهما (المطوّبة مريم ورجلها يوسف) وكان خاضعًا لهما. ويا له من مثال رائع للطاعة والخضوع للوالدين. إن طابع الأيام الأخيرة التي نعيشها أن الأولاد غير طائعين لوالديهم. أما هو، فكان خاضعًا لهما. وكان في ذلك يتمم إرادة أبيه وهو معهما في الناصرة.
لهذا يحرِّض الرسول بولس الأولاد قائلًا «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق. أكرم أباك وأمك التي هي أول وصية بوعد لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض» (أفسس6: 1-3). وأيضًا «أطيعوا والديكم في كل شيءٍ لأن هذا مرضيٌّ في الرب » (كولوسي 3: 20).