العواطف ودخول الخطية:
من قبل السقوط والعواطف تحتل مكانًا كبيرًا في كِيان الإنسان، وتعطي طعمًا لممارساته، ولكنها كانت تعمل متوافقة مع روحه، حيث المعرفة والادراك الواعي، لأن الله روح والطبيعي أن الإنسان يتلامس معه بروحه ويتبعها عواطفه ونفسه. فما كان الإنسان يعرف أنه موافق لمشيئة الله وأنه نافع وبنَّاء، كان يحبه ويفرح به ويتجه إليه وكانت العواطف تتبع الإدراك السليم وتعمل متوافقة معه، كانت النفس تتبع الروح، والإرادة كانت تتحرك بدوافع عقلية عاطفية.
لكن بعد السقوط ودخول الخطية انفصل الإنسان عن الله، وتَنّحت الروح - حيث المعرفة والإدراك - عن قيادة حياة الإنسان لأن «إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين» (2كورنثوس4: 4). ومنذ ذلك الوقت أصبحت العواطف ورغبات النفس هي المتقدمة والمسيطرة والمحرّكة للإرادة، «فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت. وأعطت رجُلها أيضًا معها فأكل» (تكوين3: 6). كانت حركة العواطف، والتي تتمثل في جاذبية وحلاوة الأكل، أقوى من تقدير عواقب عصيان كلام الله. ولأن العواطف هي أقوى مكوّنات النفس البشرية أصبحت هي المسيطرة. لذلك فإن حياة الإنسان الطبيعي حاليًا هي حياة نفسية وليست روحية «نفسانيون لا روح فيهم» (يهوذا 19). لذا أصبح الإنسان يتمركز حول نفسه، يدور في فَلَك نفسه، صانعًا شهوات ومشيئات الجسد وأفكاره، وعواطفه تخدم هذا الغرض، فهي تتحرك، تحب، وتفرح بكل ما يعود على الإنسان من منفعة ومتعة، بِغّض النظر عن إن كان الله مُصادقًا على هذا الشيء أم لا، مفيد أم ضار، صحيح أم خط. فإذا كان هدف الإنسان الماديات فسيفرح عندما يحصل عليها مثل الغني المذكور في لوقا 12؛ «استريحي وكُلي واشربي وافرحي». وإذا كان هدف حياته الشهوات فسيحب ما يُشبع شهواته؛ فأمنون أحب ثامار أخته جدًا ليُشبع شهواته من وراءها (2صموئيل13: 1-17).
خصائص النشاط العاطفي في سن المراهقة:
تختلف العواطف من شخص لآخر، فهناك من هم عاطفيون جدًا بطبيعتهم، أبسط المواقف تستثير عواطفهم، ومن المعروف أن البنات أكثر عاطفية من الأولاد. وهناك من هم أقل عاطفية، وربما عقلانيون أكثر. كذلك هناك الذين يعبّرون عن عواطفهم بطريقة ظاهرة إنفعالية فهُم لا يستطيعون التحكم فيها، وهناك الذين مع أنهم عاطفيون لكن تعبيرهم عن عواطفهم يتميز بالهدوء.
سواء هؤلاء أو أولئك فعواطف سن المراهقة تتميز بالانفعالية وعدم النضوج، وتكون غير مستقرة وغير متزنة، فهي تشبه موج البحر الذي تارة إلى أعلى وأخرى إلى أسفل.
غالبًا ما تحتل العواطف في كيان الإنسان الطبيعي، ولاسيما في سن المراهقة، مكانًا أكبر من كل شيء آخر. فالشاب أو الشابة، بسبب توتره وحيرته، يبحث عما يعود عليه بالسرور والمُتعة، ويثور إذا أُعيق عن ذلك. ولاسيما لأن الغرائز في هذه السن يكون صوتها عالِ وتستخدم العواطف.
كذلك تكون العواطف متغيرة فأحيانًا يكون الشاب سعيدًا هادئًا بلا سبب، وأحيانًا أخرى يكون متوترًا منقبضًا أيضًا بلا سبب، فدورته المزاجية تكون غير منظمة. أيضًا نجد العواطف الفياضة أحيانًا تنقلب بعدها مباشرة إلى عكسه. فأمنون الذي نقرأ أنه أحب ثامار أخته وأُحصِر للسقم من أجلها، نقرأ بعدها مباشرة أنه أبغضها جدًا (2صموئيل13: 2 ،15). فكثير من مشاعر الفرح الفائض تنقلب إلى حزن، والمحبة المبالغ فيها إلى كراهية، لأنها ليست مشاعر عميقة الجذور، ولا مبنية على قناعة ذهنية؛ بل لخدمة دوافع شخصية.
عواطف هذه السن أيضًا غالبًا متطرفة بسبب عدم إستقرارها، فما يتحمس له الشاب ويؤيده ويفرح به ويحبه، يفعل ذلك بكل كيانه، وبعدها يمكن أن يبغض نفس الشيء بكل كيانه أيضً.
العواطف والانفعال قد تعطي نتائج سريعة مبهرة، ولكنها قد تكون زائفة مثلما تكلم الرب في متى13 عن الذي وقع على الأرض المُحجرة أنه «نبت حالاً... يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح» لكن لما جاءت الظروف، كشفت زيف هذه النتائج المبنية على العواطف فقط. وبالتالي العواطف يمكن أن تخدع بإيمان زائف، وأحيانًا بمستوى روحي زائف. فالعواطف التي تشتعل سريعًا غالبًا سطحية وتنطفئ سريعً.
تحتاج العواطف دائمًا إلى الوقود الذي يديم إشعالها من الخارج، فالذي يفرح بشيء بعد فترة يخمد هذا الفرح ويحتاج إلى وقود جديد ليستمر فرحه بنفس الشيء لأن «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 13).
والاعتماد على العواطف وحدها، ولاسيما عند الأشخاص العاطفيون، يجعلهم يقلبون الأوضاع؛ فغالبًا ما يعتبرون أن ما يسرهم هو الصحيح، فعادتهم وإحساسهم هو الذي يحدِّد الخطأ والصواب. يختلف كثيرًا الأباء مع الأبناء على معاشرة أصدقاء بعينهم، أو الذهاب إلى أماكن معينة، أو الاطلاع على أشياء مُعينة؛ ولكن الأبناء يصرّون على أن ما يفعلون صحيح وذلك فقط لأنه يسعدهم، بينما المفروض أن الخطأ والصواب هو الذي يحدد السعادة وليس العكس.
لكن ما هو دور الإيمان في التأثير على العواطف. هذا موضوعنا في العدد القادم إن تأنى الرب.