(1) الأسلوب الأمثل
إن الله، الذي أعدّ لكل منا خطة رسمها بإتقان قبل إنشاء العالم لإسعادنا وبركتنا ونجاحنا روحيًا وزمنيًا، هذا الإله يُسَرّ بأن يعلن لنا خطته وما قصده لن. لهذا فهو يتكلم بأنواع وطرق كثيرة حتى يصل بنا إلى الفهم الصحيح والاستنارة الكاملة، لكي نمتلئ من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي لنسلك كما يحق للرب في كل رضى. وعندما يتكلم فهو يتكلم بوضوح ويصل إلى أبسط المستويات في الادراك مُعلِّمًا ومُرشدًا ومُذكِّرًا، ليقودنا في الطريق الصحيح.
وما أجمل المؤمن الذي يأتي إلى الرب بكل تواضع، باحثًا عن فكره ويقول له:
علِّمني كيف أسمعك إرادتي أسلمك
وأصـبـر بالـحـق لـك نفسي لك تنتظر
وعندما يرانا الرب مُخلِصين وراغبين في الطاعة ولا نريد غير فعل ما يريد، فهو حتما سيتكلم إلينا ويقودنا من أقصر طريق.
وفي العهد القديم كان الله يتكلم للمؤمنين بطُرق ملموسة ومنظورة: في الرؤى والأحلام، بواسطة العلامات أو استخدام القرعة إذ يتحكم الله في كل شيء، أو بإعلانات خاصة عن طريق الأنبياء أو الكهنوت.
على سبيل المثال تكلم الله مع نوح وأعلن له عن الطوفان (تكوين6)، وتكلم مع أبرام في الرؤيا وأعلن له مستقبل نسله على مدى 400 سنة (تكوين15). كما أعطى إعلانات ليوسف وفرعون ونبوخذنصّر عن طريق الأحلام (تكوين37؛ 41؛ دانيآل2؛4). كذلك أعلن فكره لعبد إبراهيم من جهة الزوجة التي عيّنها لإسحاق من خلال تحقيق العلامة التي وضعها العبد في صلاته (تكوين24) وذات الشيء حدث مع جدعون من خلال العلامات التي تحققت (قضاة6). وعندما أراد داود أن يسأل الرب طلب الأفـود من أبياثار الكاهن (1صموئيل30)، كذلك عندما احتاج يهوشافاط أن يسأل الرب ليعرف فكره ذهب إلى أليشع النبي وكان عنده كلام الرب (2ملوك3).
وفي كل الأحوال كان الرب يجيب كل مَن يسأل بكل وضوح دون أي التباس طالما كان الشخص مُخلصًا وصادقً.
وبحسب الظاهر كانت الأمور في العهد القديم تتسم بالسهولة والوضوح، وتعتمد على أشياء ملموسة أو منظورة أو مسموعة أي ترتبط بالحواس الطبيعية.
ويأتي السؤال: فلماذا اختلفت الأمور في العهد الجديد وصارت أكثر صعوبة؟ وهل لا يمكن أن نعتمد على العلامات والأحلام والرؤى كما في العهد القديم؟
وللإجابة على ذلك نقول:
أولاً: إن المؤمنين في العهد القديم كان ينقصهم نور الإعلان الكامل الذي هو كلمة الله. أما نحن فعندنا الكتاب الكامل الذي يحوي كل أفكار الله من جهتنا وهو السراج المنير الذي نهتدي به.
ثانيًا: كان ينقصهم الروح القدس ساكنًا فيهم، الذي يرشدهم إلى كل الحق ويقودهم إلى مشيئة الله الكاملة.
لهذا كان الله يتعامل معهم بالطُرق المنظورة والمحسوسة. وهذا هو طابع العهد القديم كله. أما نحن في العهد الجديد فإننا «بالإيمان نسلك لا بالعيان»، ولنا امتياز لكوننا أبناء الله الناضجين أن ننقاد بروح الله الساكن فينا في أصغر تفاصيل الحياة.
إن الله قد أعلن لنا مشيئته بصفة عامة في الكتاب المقدس، وأعطانا الخطوط العامة والإطار العام لكي نتحرك داخله. ولا يمكن أن تتعارض مشيئته الخاصة لنا مع المبادئ العامة التي سبق وأعلنها في كلمته.
ثم عن طريق الروح القدس، ونحن في محضر الله وفي الشركة الهادئة معه، وبكل إخلاص وصدق ودوافع مقدَّسة واستعداد للطاعة، فإن الله سيترك فينا انطباعات واضحة بمشيئته الخاصة في أمر معيَّن، كاختيار نوع الدراسة والكلية أو العمل أو مكان السكن أو الارتباط في الزواج أو السفر للخارج ... الخ. فسيشعر الشخص براحة وسلام وفرح وتقبُّل وحماس وتشجيع في اتجاه معيَّن أكثر من غيره. أو سيشعر بعكس ذلك إذا كان الأمر ليس من عند الرب. هذه المشاعر والانطباعات ستزداد يومًا بعد يوم كلما جلسنا أمام الرب في خلوتنا معه، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وعلينا أن نتذكر أن «سبيل الصدّيقين فكنور مُشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل»
وللحديث بقية.