كان القصر الأبيض اللون لأحد الملاّك يقع وسط حديقة بالغة الروعة، وكان بالحديقة أشجار عالية معمِّرة تظلل القصر. وما أن دخل هذا القصر مالكه الجديد حتى أندهش لروعة اللوحات الزيتية الجميلة المعلَّقة على الجدران، والأثاث الذي لا مثيل لروعته، كما تبيّن كم تحمَّل الفنانون ليخرجوا مثل هذه الأرضية ذات النمط المتشابك لمختلف الأخشاب الثمينة.
إلا أنه لاحظ بعض البقع الرمادية اللون لعفن فطري قد غطى جدران الحجرات، واقترب منها وإذ رائحتها عفنة جدً. وتساءل في نفسه: كيف حدث ذلك؟
وفي نفس الوقت كان السمسار ينظر للسقف وقال: "الموضوع إن المالك السابق لم يفكِّر في تنظيف المزاريب التي على السطح، والتي مهمتها تسريب مياه الأمطار التي تتجمع على السطح، ولكن مع كثرة الأشجار التي تغطي وتظلِّل القصر انسدت المزاريب بأوراق الشجر، وعند نزول المطر كانت أسطح الحجرات تمتلئ بالماء فينساب إلى الجدران الداخلية عن طريق النوافذ". كان من المكن جدًا تجنب هذا الأمر بمجهود قليل كل فترة من الزمن، أما الآن فتكاليف التجديد ستكون كبيرة جدً. إن بضعة أوراق أشجار تبدو نسبيًا بسيطة جدًا ولكن مع الزمن تتراكم كثيرًا وسريعً. آه يا أحبائي.. نحن أحيانًا نهمل أمورًا مهمة جدًا، وبعد فترة نكتشف أن الخسارة جسيمة. لذا دعونا نتخلص يوميًا من أمور تضرّ حياتنا الروحية، ونذكِّر أنفسنا بأنه يجب أن:
- نضبط أنفسنا: «كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى» (1كورنثوس 9: 25). فالحياة المسيحية تشبه السباق، فتتطلب ضبط النفس. ولكن في السباق واحدًا فقط يربح الجائزة؛ أما نحن المؤمنين فكلنا يجب أن نكون راكضين، وكلنا يمكن أن نكون فائزين. على أن الجائزة ليست الخلاص، فنحن بالنعمة مخلَّصون، لكن الجائزة هي التمتع بالمسيح أكثر.
- لا نُرضي أنفسنا: «فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضي أنفسن. فليُرضِ كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان. لأن لمسيح أيضًا لم يُرضِ نفسه» (رومية 15: 1-3). هكذا كانت حياة المسيح فهو لم يفعل قَطّ معجزة لأجل نفسه. لذا ينبغي أن لا نُرضي أنفسنا متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال 20: 35).
- لنلاحظ ولا نخدع أنفسنا: «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك؛ لأنك إذ فعلت هذا تخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تيموثاوس 4: 16). وهكذا يجب أن نتعلّم يوميًا من كلمة الله، ونتدرَّب لتطبيق الحق الإلهي على حياتنا، ولنكن عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسنا، وعلينا أن نترجم كلمة الله إلى ثمر في حياتنا فإن كان أحد يسمع الكلمة دون أن يغير سلوكه فهو يشبه رجلاً يلقى نظرة خاطفة إلى المرآة ثم ينسى تمامً.
- لنحفظ ونطهِّر أنفسنا: «لا تشترك في خطايا الآخرين. احفظ نفسك طاهرًا» (1تيموثاوس 5: 22). نستطيع ذلك عندما ندرك أن المسيحية تضم مؤمنين ومُدَّعين؛ فالمؤمنون آنية للكرامة من ذهب وفضة، أما غير المؤمنين فأوانٍ للهوان من خشب وخزف، ويذكر الرسول بولس: «فإن طهَّر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامةِ مقدَّسًا نافعًا للسيد مستعدًا لكل عمل صالح» (2تيموثاوس 2: 21). إذًا لننفصل عن الشر والأشرار، ولنتطهر بالكلمة لنستطيع أن نخدم الرب وشعبه «تطهّروا يا حاملي آنية الرب» (إشعياء 52: 11).
- لندرِّب أنفسنا: «روِّض نفسك للتقوى» (1تيموثاوس 4: 7). وإن كانت الرياضة الجسدية نافعة للجسد إلا أن التقوى نافعة لكل شيء؛ فهي نافعة روحيًا وزمنيًا وعائليًا وصحيًا ونفسيًا، نافعة لكل مكان وزمان، ويؤكِّد الرسول بولس على ذلك بالتعقيب بأنه «صادقة هي الكلمة» (1تيموثاوس 4: 9). وعملية التدريب تتضمن قراءة كلمة الله ودراستها وفهمها وحفظ آيات منها والصلاة.
- لنُقِم لله أنفسنا: «اجتهد أن تقِيـم نفسك للّـه مزكّى عاملاً لا يخزى مفصِّلاً كلمة الحق بالاستقامة» (2تيموثاوس 2: 15). فنحن لسنا مِلك أنفسنا فقد كانت أعضائنا آلات تنتج أثمًا، ولكن الآن أعضائنا آلات مخصصة لإنتاج البر «قدِّمو... أعضاءكم آلات بر لله» (رومية 6: 13). وهذا يأتي عندما نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا، أي عندما نتجاوب مع التجربة كما يتجاوب معها إنسان ميت! في يوم من الأيام اقتربت إلى أوغسطينوس امرأة كانت صديقة له قبل توبته وإيمانه، وعنـدما تحوّل عنها وابتعـد بسرعة، رفعت صوتها ونادته: "أوغسطينوس هذه أنا"، وبخطى أسرع جاوبها دون أن يلتفت: "نعم أنا أعلم أن هذه هي أنتِ، وأما هذا فليس أنا". وما كان يعنيه أنه كان قد مات للخطية وأصبح يعيش لله.
- لنحكم على أنفسنا: «لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدَّب من الرب لكي لا نٌدان مع العالم» (1كورنثوس 11: 31 ،32 ). فإن عدم ممارسة الحكم على النفس يمكن أن يؤدي إلى التأديب، فالله يتعامل معنا بوصفنا أولاده، ويحبنا لدرجة أنه لا يسمح لنا أن نستمر في فعل الخطية.