عهدنا بالديدان أنها صغيرة ضعيفة عاجزة عن فعل أي شيء.
فماذا إن وضعت واحدة من تلك الديدان أمام أحد الجبال الشامخة، أو بجوار إحدى الآكام الراسخة؛ وطلبت من هذه الدودة الضعيفة أن تهدمها أو تسحقها وتجعلها كالقش الذي يتطاير مع الرياح؟! أ فَلَستُ مبالغًا في الخيال إن اعتقدت أن هذه الدودة يمكن أن تتحول إلى أداة جبارة تستطيع أن تهدم الجبال؟! إن هذه الجبال إن أحضرت أمامها فيلاً أو أسدًا أو حتى ديناصورًا من العصور الغابرة وطلبت منها أن تهدمها لَنَطحت برؤوسها في صخور الجبال حتى تحطمت (أعني الرؤوس وليس الصخور بطبيعة الحال).
فما الذي تستطيع أن تفعله ملايين الديدان لصلب الجبال والآكام؟؟
بالتأكيد سأصبح مغاليًا في التخيل إذ كان هذا التصور من بنات أفكاري؛ ولكن إن كانت هذه الصورة من رسم وإبداع الله ذاته فالأمر يختلف كثيرً.
يقول الله مخاطبًا شعبه «لا تخف يا دودة يعقوب يا شرذمة إسرائيل! أنا أعينك يقول الرب وفاديكِ قدوس إسرائيل. هأنذا قد جعلتك نورجًا محدَّدًا جديدًا ذا أسنان. تدرس الجبال وتسحقها وتجعل الآكام كالعصافة» (إشعياء41: 14 ، 15).
فمن خلال هذا التشبيه الهام يريد الله أن يعلمنا شيئً.
إن هـذه الصورة تدلل على ماهيـة الإنسان فـي ضعفه الشديد وعجزه البالـغ وعـدم نفعـه ولا شيئيتـة، كما قال بلدد الشوحي (أحد أصحاب أيوب): «فكم بالحري الإنسان الرمة، وابن آدم الدود؟» (أيوب25: 6).
فماذا تستطيع أن تصنع دودة؟! فما أسهل أن تدوسها الأقدام دون أدنى قوة للمقاومة.
غير أن هذه الصورة ذاتها ترينا السبيل للتمتع بقوة الله غير المحدودة في حياتنا وخدمتنا، فإدراكك الأكيد لعجزك الشديد هو بداية الطريق الصحيح الوحيد لكي تتمتع بقوة الله. أ لم يقل بولس: «أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليِّ قوة المسيح» (2كورنثوس12: 9).
فما لم تكن مجرد دودة لن يدركك الوعد العظيم «لا تخف يا دودة يعقوب ... أنا أعينك يقول الرب».
أما الأفيال والأسود (أو من يعتقدون أنهم كذلك) فدعهم يناطحون الصخور كيفما شاءوا دون فائدة تذكر؟ وأما الديدان (أو من يعلمون أنهم لا يزيدون عن كونهم كذلك) فسيعطيها الله أسنانًا لتدرس الجبال وتسحقه.
لم يكن داود، في مواجهته لجليات، يزيد عن كونه دودة ضعيفة، ولكن ما أجمل الكلمات التي قالها: «أنا آتي إليك باسم رب الجنود ... هـذا اليوم يحبسك الرب فـي يدي... وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلِّص الرب» (1صموئيل 17: 45-47). لقد استند على قوة إلهه غير المحدودة، فاستخدمه الله ليصنع لشعبه خلاصًا عظيمًا وليتحقق على يديه الانتصار الذي فشل أعتي محاربي إسرائيل في تحقيقه.
وكان جدعون في خوفه واختبائه في المعصرة (أي في حفرة) ليخبط حنطة ليهرّبها من المديانيين، مثل دودة يمكن أن تدوسها الأقدام، ولكن ما أجمل ما ناله من قوة الرب في ضعفه، إذ قال ملاك الرب له: «الرب معك يا جبار البأس... اذهب بقوّتك هذه وخلِّص... أَمَا أرسلتك» (قضاة6: 12-14). فتقوّى الصغير الذليل، وصنع به الرب خلاصًا عجيبًا إذ واجه، هو وثلاث مئة من الرجال معه حاملون جرارًا وأبواقًا، جيشًا من المديانيين المسلحين قوامه 135 ألف رجل مخترطي السيف (قضاة8: 10) وجمالهم مثل رمل البحر. فكم يُسَرّ الله أن يتمجد من خلال إظهار قوته في ضعفن.
صديقي.. إن المشكلة ليست في كوننا ديدانًا نواجه جبالاً، ولكنها تكمن في كوننا نظن أنفسنا شيئً. إننا نعتقد أننا أقوياء قادرون ولسنا ديدانًا عاجزة، لذا تظل أمامنا جبال المشكلات أو المسئوليات بدون أن تزحزحها قوتنا الهزيلة.
أننا لا نقبل تمامًا ما قاله الرب: أننا لا نستطيع بدونه أن نفعل شيئًا، صغيرًا كان أم كبيرًا (يوحنا15: 5).
فإن علمنا أننا لا نزيد عن كوننا ديدانًا ضعيفة ارتمينا تمامًا على إلهنا، ذاك الذي لا يرضى بقوة الخيل ولا يُسَرّ بساقي الرجل لكنه يرضى بأتقيائه بالراجين رحمته (مزمور147: 10 ،11). إنه الذي قال: «لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود» (زكريا4: 6).
صـديقي .. كم يتمجد الله عندما يستخدم أشياء حقيرة ليظهر من خلالها قوته ومجده، لقد استخدم قديمًا فك حمار (قضاة15: 15)، منساس بقر (قضاة3: 31)، خمسة حجارة مُلس (1صموئيل17: 40)، دهنة زيت صغيرة (2ملوك4: 2)، خمسة أرغفة وسمكتان في يد غلام صغير (يوحنا6: 9). وهو كذا يستطيع أن يستخدمك أداة فعّالة لمجده على الرغم من ضعفك الشديد وشعورك المستمر بعـدم نفعك، بل يمنحك أن تصـير نورجًا جديدًا محـدَّدًا ذا أسنان تستطيع، بقـوته، أن تهدم الجبال.
فهل تتضع أمام المسيح مُقِرًّا بضعفك المتناهي؛ ذاك الـذي قَبِلَ أن يأخذ وضع الضعف المطلق وهو معلَّق على الصليب لأجلنا قائلاً: «أما أنا فدودة لا إنسان» (مزمور22: 6)، لكي يمنحنا قوَّته. فما أجمل ما قيل «اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغـير الموجود ليُبطل الموجـود. لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه» (1كورنثوس1: 27-29).
ليس علينا إلا أن نكون في ملء الشركة معه والثبات فيه، فنستطيع أن نواجه جبال المسئوليات مهما عَلَت، وآكام الصعوبات مهما استفحلت، ونردد مع الرسول «حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي» (2كورنثوس12: 10) وتهتف معه «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني» (فيلبي4: 13).