وقف فتى صغير أمام واجهة مكتبة مسيحية تعرض لوحات فنية، وأخذ ينظر بشغف وتأمل إلى صورة زيتية للرب يسوع المسيح على الصليب. وإذا بِرجُل يقترب منه، ويقف بجانبه، وينظر متفكرًا إلى ذات الصورة، ثم بعد فترة وجيزة يلتفت إلى الفتى ويسأله: "هل تعلم مّن هذا؟".
أجاب الفتى: "نعم يا سيدي، إنه الرب يسوع المسيح، فاديَّ الذي أحبني ومات على الصليب لكي يُخلصني. وهؤلاء الناس حوله هم الجنود الرومان الذين قتلوه. وتلك المرأة التي تبكي هي أمّهُ؛ العذراء المطوبة القديسة مريم".
رَبَت الرجل على كتف الولد ومضى مبتسمً. ولم يكن قد ابتعد كثيرًا حتى شعر بأحدهم يجري وراءه، ويشده من كُمّ قميصه. كان ذلك الفتى الذي تكلّم معه قبل لحظات، وقد استوقفه، وقال له: "عفوًا يا سيدي، لقد نسيت أن أخبرك شيئًا آخر مهمًا جدًا؛ إن الرب يسوع المسيح لم يَعُد بَعدُ مُعلَّقًا على الصليب، وليس هو في القبر، بل إنه حيٌّ لأنه قام من الأموات، وهو الآن في السماء".
كان ذلك الفتى قد عرف المخلِّص الحي الذي مات وقام، وهو حيٌّ الآن. لقد عرف حقَّ الإنجيل الكامل، وأراد أن يعرِّف الرَّجُل الذي سأله أن بشارة الإنجيل لا تقتصر على أن الرب يسوع عاش ومات ودُفن، بل تشتمل أيضًا على أنه قد قام من بين الأموات، وأنه حيٌّ الآن في السماء «وأُعرِّفكُم أيها الإخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به، وقبلتموه، وتقومون فيه، وبه أيضًا تخلصون... أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كورنثوس15: 1-4).
أيها الأحباء: إن قيامة المسيح من بين الأموات حقيقية جوهرية في المسيحية. فالإيمان المسيحي يُخبرني عن شخص مبارك ومجيد، غالب ومنتصر، هو الآن مُخلِّصًا، يُعطي التوبة وغفران الخطايا لكل من يأتي إليه ويؤمن باسمه.
والإيمان المسيحي يقود النفس ليس إلى أسفل صليب فارغٍ خالٍ، وليس إلى قبر، حتى ولو كان هذا القبر أيضًا فارغٍ خالٍ. ولكنه يقودني إلى قدمي المُخلِّص المُقام والمرتفع. إن «ربي والهي» ليس على الصليب الآن، وليس هو في القبر. أين هو؟ إنه مُقام وممجَّد في السماء. هو مخلِّصي المُقَام و المنتصر على الموت والقبر.
لقد تجسد ربنا (يوحنا1: 14)، وكالقدوس لم يكن للموت سلطان عليه لأنه لم تكن فيه خطية، ولكنه وضع حياته باختياره (يوحنا10: 18). وصُلب رب المجد، وذاق بنعمة الله الموت، ثم قام، وبذلك كسر شوكة الموت. وبموته وضع الأساس لإبادة ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس (عبرانيين2: 14). وقيامة المسيح هي البرهان أن الله قَبِلَ عمله في الموت، وأن الجميع مطاليب الله العادل قد وفيَّت في الصليب تمامً. ونستطيع نحن أن نفتخر بهذه الحقيقة: أن ذاك الذي حمل في جسمه خطايانا على الخشبة، قد أُقيم «بمجد الآب» (رومية6: 4)؛ وفي هذا الضمان الأكيد الراسخ بأن خطايانا قد ذهبت عنا إلي الأبد.
نعم، لقد مات وقام، وتبرهن أنه ابن الله (رومية1: 4)، وتبررنا نحن بقيامته (رومية4: 25). وصار لنا رجاء حيّ (1بطرس1: 3 ،21). ولأنه حيّ سنحيا نحن أيضًا (يوحنا14: 19). وهو الذي طمأن قلب يوحنا، تلميذه الساقط الضعيف، قائلاً له: «لا تخف» - ويا لها من كلمة تُبدِّد الخوف وتأتي بالطمأنينة والسلام «أنا هو الأول والآخر، والحي وكُنت ميتًا، وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين!... ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤيا1: 17 ،18).
وإننا لا نستغرب ما أحدثه الشيطان من ضجة في سفر الأعمال، عندما بَشَّر الرسُلُ وعلَّموا الناس الحق، لأنهم بماذا بشَّروا؟ «في يسوع بالقيامة من الأموات»، «وبقوةٍ عظيمةٍ كان الرسُلُ يؤدّون الشهادة بقيامة الرب يسوع» (أعمال4: 2 ،33)، فلو كانوا قد بشَّروا بيسوع المسيح كمَن عاش على الأرض فقط، لما اهتم الشيطان بالأمر لأنه مات، وشخص ميت لا يُخلِّص ولا يمكن أن يهب حياة للموتى بالذنوب والخطاي. ولكن الرُسُل نادوا بأن الله قد أقامه من الأموات بالبر عن يمين الله، وهو الحياة والبر والقداسة والفداء لكل نفس تؤمن به (1كورنثوس1: 30). ولذلك لا عجب أن الشيطان حاول في ذلك اليوم أن يضع الرُسُل في السجن، لأن القيامة التي كانوا ينادون بها هي البرهان القاطع على أن المسيح قد هزمه وألغى قوة الموت. وإذ أزيل الموت، الذي هو أجرة لخطية الإنسان، برهنت قيامة المسيح على أن الخطية قد أُزيلت.
ونحن نذكر أنه في صباح القيامة نزل ملاك ودحرج الحجر عن قبر المسيح. ولماذا؟ ليس لكي يُسهّل للمسيح الخروج من القبر، حاشا! فالمسيح كان قد قام فعلاً من قبل وغادر القبر والحجر عليه؛ إذ أن له سلطان أن يضع نفسه وله سلطان أن يأخذه. بل وأكثر من ذلك قام «بمجد الآب» تعبيرًا عن السرور والرضا الذي وجده الله في عمل المسيح الكامل (رومية6: 4)... إذًا لماذا دحرج الملاك الحجر؟! لكي يُمكنني أنا أن أنظر داخل القبر وأراه فارغًا، فأهتف قائلاً: هللويا! إن مُخلَّصي الذي اجتاز الموت لأجل خطاياي قد خرج منه. وهكذا يُمكنني أن أتحوَّل عن القبر الفارغ لكي أتطلع، كمؤمن، إلى مجد الله، وهناك عاليًا، أعلى من أولئك الملائكة الذين لم يُخطئوا قط، أرى هناك «إنسان» لأجلي، إنسانًا «فيه يحلّ كل ملء اللاهوت جسديًا» (كولوسي1: 19؛ 2: 9). هو مُخلِّصي الذي ذهب إلى الموت لأجل خطاياي، ومات موتي، وهو الآن مُقَام من الأموات، وأنا مُقَام معه ومقبول فيه، لذلك يُمكنني الآن أن أرنم بنغمة عالية:
قام حقا مَن قضى |
إذ به الآبُ ارتضى |
ليمينه ارتقى |
فوق كلِّ اسمٍ سَم |
عزيزي المؤمن..
لا تخف..
ارفع رأسك وابتسم مطمئنًّ..
فالرب يسوع المسيح حيّ، وسوف يظل إلى الأبد «الله الحيّ».