الصليب: موضوع فخر كل المؤمنين·
الصليب: مكان اللقاء الوحيد بين الله القدوس والإنسان النجس·
الصليب: هناك ظهر قلب المسيح المملوء بالحب والوداد، وقلب الإنسان المملوء بالبغض والفساد·
لذا هيا بنا نقترب من الصليب·· نقف هناك قرب الحبيب لنرى المنظر العجيب·· هناك سنتأمل في الجموع التي أحاطت بيسوع: نرى منهم الأعداء، ومنهم الأصدقاء والأحباء، نرى الصدوقيون بكبرياءهم، والجماهير الغفيرة بميولهم المختلفة·· ولنبدأ الآن بأول لقاء·
«وكان الشعب واقفين ينظرون» (لوقا23: 35)
بالتأكيد لم يكن هناك إنسان من كل الذين أحاطوا بالصليب لم يستفد من المسيح بطريقة أو بأخرى· سواء من المعجزات التي أجراها، أو الأمراض التي شفاها، أو الموتى الذين أحياهم، أو الجياع الذين أشبعهم، أو الحزانى والنائحين والمتألمين والآثمين الذين تحنن عليهم·· ومع هذا أتت الجموع لتنظر؛ لا نظرات العطف والشفقة، بل نظرات السخرية والاستهزاء· ماذا حدث للإنسان حتى يسخرون من الذي أحبهم وأشفق عليهم وشفى مرضاهم؟! لكن ها هم يعيرونه: خلّص نفسك·· انزل عن الصليب· وإن كان هذا لم يكن غريبًا عن المسيح إذ سبق وتنبأ به «كل الذين يرونني يستهزئون بي» (مزمور22: 7)·
ونحن قرب الصليب· لنقترب من الجموع ونسألهم: لماذا أنتم هنا؟
- البعض يجيب: إن المصلوب شخص صالح ولا يستحق ما يحدث له، إنه صاحب الأعمال العظيمة والأقوال الفريدة، إنه يختلف عن كل الناس في مشاعره ومحبته وحنانه·· وإننا نعلم قساوة قلب رؤساء الكهنة وبغضهم للمسيح؛ لقد أسلموه ظلمًا، وبيلاطس بجُبن حكم عليه وهو البار·· إننا لا نصادق على هذا؛ ووقفننا هنا لنفكر لماذا يُصلَب شخص كهذا·
- والبعض الآخر يقول: نعلم أن للمسيح قدرة على عمل المعجزات· فقد رأيناه كثيرًا وهو يقيم الموتى ويطهر الأبرص ويفتح أعين العمي· لذا وقفنا هنا متوقعين أننا سنرى معجزة تحدث وينزل المسيح عن الصليب ويقضي على كل الذين تسببوا في صلبه·
- وفريق ثالث يقول: ما لفت نظرنا هو الهدوء الغير عادي للمسيح، فقد رأينا قبلاً المصلوبين وسمعناهم وهم يصبّون لعناتهم وسبابهم على الجميع مع أنهم يستحقون الموت· أما هذا فمع أنه مظلوم لكنه لم يفتح فاه، فلم يشتم ولم يصِح ولم يدافع عن نفسه ولم يتوسل لأحد·· والأعجب من هذا أنه عندما تكلم طلب من الله أن يغفر لمن صلبوه!
- وفريق رابع جاء ليشاهد ويتذكر ويقارن·· لقد رأوا ذبائح كثيرة وسمعوا عن الدم الذي يكفِّر عن النفس، وعن حاجة كل البشر للغفران· لقد تذكروا كلمات المعمدان «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم»· لقد تأكدوا الآن أن الصليب هو إكمال لمشروع الله لفداء الإنسان·
والآن يا صديقي العزيز: هل وقفت معي قرب الصليب؟ ولماذا أنت هنا؟ ومن هو المصلوب بالنسبة لك؟ ومِن أي فريق أنت؟
- هل أنت من المعجبين بشخصية المسيح؛ تقدّره وتقدّر أعماله وأقواله وأنه لا يستحق الصليب والموت؟ أقول لك إعجابَك بالمسيح لا يُخلّصك·
- وهل أنت من هواة المعجزات والآيات، وكل ما تنتظره هو أن يعمل معك المسيح معجزة ليحل لك بها كل مشكلاتك؟ أقول لك معرفتك بالمسيح كصاحب معجزات وآيات لن يفيدك·
- وهل أنت من الناظرين للمسيح في آلامه من يد الناس من الجلدات واللكمات والاحتقار وحَمل الصليب؟ أقول لك إن هذه الآلام، مع شدتها، لا تكفّر عن خطاياك·
إني أدعوك أن تكون الآن قُرب الصليب لترى المصلوب آخذًا مكانك·· مائتًا لأجلك·· سافكًا دمه ليطهرك·· محتملاً غضب الله نيابة عنك· وإذ بالإيمان تقبله مخلِّصًا شخصيًا لك، تمضي وأنت ترنم:
خَلِّني قُربَ الصليبْ |
حيثُ سالَ المَجْرى |
إذ دمُ الفادي الحبيبْ |
داءَ نفسي أبْرا |