السفاح يحتمي في الجراح

عندما كانت الساعة تعلن الثانية فجرًا في يوم السبت الموافق 13مارس 2005م كانت "أشلي سميث Ashley Smith" البالغة من العمر 26 عامًا، عائدة إلى شقتها بمدينة دولاث بأتلانتا عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية. كانت أشلي تفكر في ماضيها المظلم والمؤلم، وكيف كانت قد أدمنت الخمر، وكيف قٌتِل زوجها منذ أربعة أعوام بسبب اعتداء بعدة طعنات، فمات بين ذراعيها، وكم استدانت حتى طلبت بنفسها من المحكمة أن تكون خالتها وصية على ابنتها الوحيدة البالغة من العمر 5سنوات، وأن تستضيف الطفلة لديه. كانت هذه الأفكار تتهادى في ثقل في ذهن أشلي، لكنها في نفس الوقت كانت تشعر بالسعادة البالغة بسبب القرار الذي أتخذته منذ أيام قليلة بأن تعود للرب يسوع المسيح، وتقبله كالمخلِّص والفادي الوحيد من خطاياها، فهو الذي أحبها حتى مات على الصليب بدلاً عنه.

وضعت أشلي سيارتها في الجراچ وهي في الطريق للشقة، وفجأة رأت شخصًا يهددها بمسدس في يده، ويأمرها أن يدخل معها الشقة. عرفته أشلي على الفور من لون بشرته السوداء، ومن تقاسيم وجهه، أنه السفاح الشهير في جورجيا "براين نيكولاس Brian Nichols" البالغ من العمر 33 عامًا، والذي كان في اليوم السابق قد قتل 4 أشخاص، بعدما كان ماثلاً للمحاكمة أمام محكمة أتلانتا بتهم القتل والاغتصاب، حيث خطف المسدس من يد أحد رجال الأمن، وقتل القاضي واثنين آخرين، وهرب، ثم قتل رابع ليسرق سيارته ليهرب به. شعرت أشلي أن نهايتها جاءت، ولكن كان عندها رجاء أنها إن قُتّلت الآن ستذهب حتمًا للسماء لمقابلة الرب يسوع هناك. وقد ساعدها هذا السلام العجيب على التصرف بهدوء، فاستجابت لأوامر السفاح الذي قيدها في حوض الاستحمام (البانيو)، ووجَّه إليها مسدسه. ولكنها قالت له بلطف إنها تقدّره كإنسان مات المسيح لأجله. وأكّدت له أنها تشعر بالخسارة تجاهه، إذ كان يمكن أن يكون خادمًا للرب بدلاً من أن يخدم الشيطان. وحكت له عن ماضيها في الخطية، وما حصدته منها، وعن ابنتها الوحيدة، وكيف إن قُتلت هي ستصير الطفلة بلا أب ولا أم. وحدّثته عن الكتاب المقدس العظيم الذي بدأت تقرأه بانتظام، وعن كتاب اسمه "الحياة المنطلقة نحو الهدف The Purpose Driven Life " الذي بدأت برنامج قرائته منذ أيام. وردّدت عليه الآيات التي حفظتها عن ظهر قلب من الإنجيل خلال قرائته. في البداية لم يعبأ براين بكلامها، لكن بعد قليل اخترقت قلبه كلمات الإنجيل التي كانت أشلي تحدثه بها، وهي تخبره عن الله المُحب، وكيف أنه بذل المسيح ليموت عنا، وشاركته بكيف تغير شاول الطرسوسي سفاح عصره (أعمال9) وصار أعظم قديس، كيف صار الرسول بولس الذي استخدمه الروح القدس بعظمة!!

بعد مرور 7 ساعات من سماع السفاح لبشارة الإنجيل من الضحية أشلي سميث، طلب أن تعيد عليه قراءة بعض الآيات من الإنجيل. وبعد أن فكّ قيودها صنعت له وجبة الإفطار، وتناولاه مع. وبعدها طلب منها أن تزوره في السجن بعدما يسلم نفسه للبوليس، لتساعده على الكرازة بقصة المصلوب العجيب الرب يسوع المسيح المحرّر والمخلِّص الفريد، الذي قرر السفاح أن يحتمي في جراحه إذ عرف الآية: «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَ. تَأدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَ. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَ. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء53: 5-6)؛ فوعدته بذلك.

سمح براين لأشلي أن تذهب لخالتها لتحضر طفلتها من هناك، وتذهب بها للكنيسة حيث النشاط اليومي للأطفال هناك، على أن ينتظرها لتُحضر البوليس ليسلِّم نفسه لهم.

انتظر براين نيكولاس في الشقة حتى جاء البوليس فسلم نفسه لهم الساعة 11.45 صباحًا، تحت عدسات التليفزيون التي كانت صورها لا تغطي أمريكا فقط بل العالم كله، ليخبرهم السفاح أن عمل المسيح على الصليب هو الأمر الوحيد الذي استطاع أن يخترق قلبه الفولاذي الخرساني القاسي. وما يزال براين نيكولاس إلى اليوم يكرس كل جهده ووقته في السجن لدراسة الكتاب المقدس والكرازة بالمسيح وعمله لكل المساجين بالخطية في العالم أجمع.

صديقي .. صديقتي: هل تصدق أو لا تصدق ما قرأت؟! أنا أصدقه. ليس فقط لأنه واقع معاصر تمتلئ به أكثر من 3 ألاف مقالة على الإنترنت في مختلف المواقع، ونشرته أشهر الصحف العالمية مثل مجلة تايم الأمريكية - التي عادة ما لا تتحدث عن الشئون الدينية - وما قاله "سوني بردو" حاكم ولاية جورجيا في يوم 24 مارس 2005 في تكريم أشلي سميث حيث قال: "إن أشلي اخترقت قلب السفاح"، وما قاله مدير الأمن لولاية جورجيا: "كنا نستعد لمواجهة دامية مع القاتل، لم نكن نعرف أن هناك أشلي سميث"... أصدق ما حدث ليس لأجل هذا فقط، ولكن لأن الرب يسوع المسيح الذي غيّرني، وغيَّر شاول الطرسوسي (أعمال9)، وأنسيمس (رسالة فليمون)، واللص التائب (لوقا23)، والسامرية (يوحنا4)، وملايين كثيرة؛ يستطيع أن يغيّر قلب السفاح براين نيكولاس، بل ويقدر أيضًا أن يخلصك أنت الآن مهما كانت خطاياك. فإمكانيات دمه وعمله الكفاري أعظم من كل شرورك. فاركع الآن في مكانك، وأنت تقرأ هذه الكلمات، وصَلِّ.

صلاة:

يا من خلّصت أشقى المجرمين.. وفككت قيود المأسورين.. خلصني أنا الإنسان المسكين، بقوة دمك الثمين.. آمين.