قد أَخبَرك أيها الإنسان ما هو صالح، وما يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك (ميخا6: 8).
هذ العبارة الرائعة وردت في سفر ميخا النبي. وربما لا يعلم الكثيرون أن الرئيس الأمريكي "كارتر" اتخذها شعارًا له. ففي حفل تنصيبه ذكرها في خطابه الرئيسي الذي استهل به فترة رئاسته، إذ كان مقتنعًا بأنها تُعبِّر عن مضمون الحياة الروحية الصحيحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الآية قد وُضعت في الغرفة الملحقة بالقسم الديني في مكتبة الكونجرس في واشنطن، والذي يُعَد من أفخم المباني في العالم.
ميخا من هو؟
لما نقرأ العهد القديم نلتقي بأشخاص كثيرين يحملون الاسم ميخا، وإليك بعض الشواهد (قضاة17 ، 18؛ 2صموئيل9: 12؛ 1أخبار5: 5؛ 23: 20؛ 2أخبار 34: 20؛ نحميا11: 17 ، 22)؛ هذا بالإضافة إلى ميخا بن يملة، وهو نبي عاش في السامرة وتنبأ في أيام الملك آخاب (1ملوك22: 1-28).
أما ميخا الذي نقصده، فهو صاحب نبوة ميخ. وهي السفر السادس من أسفار الأنبياء الصغار. وميخا اسم عبري معناه من مثل يهوه .
وقد تنبأ في زمن ثلاثة من ملوك يهوذا: يوثام وآحاز وحزقيا، في الفترة بين 750-686ق.م. ويوصف النبي بأنه "ميخا المورشتي"، أي أنه كان من "مورشة جت" وهي مدينة تبعد حوالي 25 ميلاً جنوب غرب أورشليم.
وقد أُشير إلى ميخا في سفر إرميا (26: 16-19)، باعتبار أنه تنبأ في أيام حزقيا ملك يهوذا عن خراب أورشليم، وذلك كان بعد نحو مئة سنة من نبوته.
ميخا وإرساليته
كانت الأيام التي عاشها ميخا مليئة بالشرور، واستخدمه الله ليوبِّخ شعبه بكل شجاعة، وليعلن قضاء الله على الشعب إن لم يتوبو.
وما يذكره النبي عن ما رآه في أيامه نراه بوضوح في أيامن. يقول ميخا:
قد باد التقي من الأرض، وليس مستقيم بين الناس. جميعهم يكمنون للدماء، يصطادون بعضهم بعضًا بشبكة. اليدان إلى الشر مجتهدتان. الرئيس طالب (هدايا) والقاضي بالهدية، والكبير متكلم بهوى نفسه فيُعَكِّشونها (فيتآمرون جميعًا على الحق)... لا تأتمنوا صاحبً. لا تثقوا بصديق. احفظ بواب فمك عن المضطجعة في حضنك. لأن الابن مستهين بالأب، والبنت قائمة على أمها، والكنة على حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته (7: 2-6). وكما جاءت دينونة الله على الشعب قديمًا، فإن غضب الله آتٍ قريبًا على العالم.
ميخا ومصدر قوته
كانت رسالة ميخا شاملة، وجّهها إلى كل فئات الشعب: إلى التجار الغشاشين ومغتصبي الأراضي الجشعين، إلى الحكام والقضاة، إلى الكهنة والأنبياء الكذبة. وأن يواجه إنسان كل هؤلاء منذرًا بدينونة الله، أمر يتطلب جراءة وشجاعة غير عادية؛ فمن أين استمد ميخا قوته؟
يقول: لكنني أنا ملآن قوة روح الرب وحقًا وبأسًا، لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته (3: 8). إن السر يرجع لقوة الروح القدس فإنه لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود (زكريا4: 6).
إن سر قوة أي خادم وشجاعته يرجع للامتلاء بالروح القدس. هكذا كان بطرس أيضًا فإنه بذاته، دون قوة روح الله، جبن قدام جارية، مع كونه رجلاً شجاعًا بطبيعته. ولكن إذ امتلأ من روح الله، أصبح قادرًا أن يواجه قادة الشعب اليهودي مذكِّرًا إياهم بخطية قتل المسيح، وداعيًا إياهم للتوبة.
ميخا والعلاج العظيم
ختم ميخا نبوته بإعلان عن الله لا يدانيه إعلان آخر في أسفار العهد القديم: >من هو إله مثلك: غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه! لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يُسرّ بالرأفة. يعود يرحمنا، يدوس آثامنا، وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم< (7: 18 ، 19).
أ يوجد رجاء للخاطي أعظم من هذا؟ إن باب رحمته وغفرانه لا يُغلق أبدً.