كان أحد خطباء اليونان المشهورين يتكلم في جمع من الأثينيين في موضوع هام، فوجدهم مُلتَهين عنه، فقال لهم: "عندي قصة طريفة"، فسكتوا سكوتًا أحرى. فقال: "استأجر أحدهم حمارًا لينقله من أثينا إلى بلد آخر، وكان اليوم شديد الحرارة، فأراد كل منهما أن يستظل بظل الحمار، فقال المستأجر: إني استأجرت الحمار وظله، فقال صاحب الحمار: بل استأجرت الحمار لا ظله. وتشاجر الرجلان". ثم سكت الخطيب.. فصاح الشعب: "أكمل.. أكمل.. وماذا حدث؟". فقال لهم: "عجبي عليكم أيها الأثينيون، عندما أكِّلمكم كلامًا هامًا تنصرفون، وعندما أكلِّمكم عن ظل الحمار تصغون وتهتمون!"
أعزائي الشباب:
هناك «كلام فارغ» (أيوب16: 3)، و كلام باطل (متى6: 7)، «كلام صالح» (مزمور45: 1)
و«كلام مستقيم» (أمثال24: 26)، فالكلام مثل الورود والعطور، التى تخطف الأبصار
وتنعش الصدور، فليتنا نقطف أجمله، وننشر أعطره، ولا نَقُل إلا أفضله.
ومن أنواع الكلام:
الكلام الحَسَن
«الكلام الحسن شهد عسل.، حلو للنفس، وشفاء للعظام»
(أمثال16: 24).
ويقول الكتاب أيضًا: «وللأطهار كلام حسن» (أمثال15: 26). وهل وُلد
الأطهار أطهارًا؟ كلا، لم يولدوا هكذا، بل «كجحش الفرا (الحمار الوحشي) يولد
الأنسان» (أيوب11: 12)، والجحش هذا، حسب الشريعة، نجس، وأيضًا له طبيعة وحشية؛ لذلك
فلا بد أن يولد الأنسان من الله و لادة ثانية (يوحنا3: 3)، عندئذ يأتي الكلام
الحسن.
«نفتالى أيّلة مُسيَّبة، يعطى أقوالاً حسنة» (تكوين49: 21).
«أيلة مسيَّبة» أى غزالة كانت مختبئة ثم انطلقت. وهذا مانراه فى باراق، الذي من سبط نفتالي، لقد كان مثل الغزالة المختبئة فى جبال الجليل، ثم انطلق إلى جبل تابور لمحاربة سيسرا وأعطاهم الرب النصرة. وبعدها فاضت الأقوال الحسنة التى نجدها فى نشيد دبورة «فترنّمت دبورة وباراق بن ابينوعم فى ذلك اليوم قائلين:
...». (قضاة 5).
على إننا نجد قمة الأقوال الحسنة وقد فاضت في أرض نفتالي: فالتطويبات والأقوال الحسنة التي أبهرت الجموع نطق بها المسيح على جبل الجليل (متى5 ، 6 ، 7). كما أن التلاميذ، وهم جليليون، أذهلوا الجموع بأقوالهم الحسنة يوم الخمسين «فبهت الجموع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض: أ ترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين؟» (أعمال2: 7).
وبعدها وقف بطرس الجليلي، مثل غزالة مسيَّبة، وأعطى أقوالاً حسنة في خطابه المشهور
الذي بواسطته آمن ثلاثة آلاف نفس (أعمال2).
ومن الكلام الحسن ما قاله غلام شاول بن قيس، عندما فشل شاول في البحث عن الأتن وأراد أن يرجع، فقال له: «هوذا رجل الله في هذه المدينة والرجل مكرَّم. كل ما يقوله يصير». وعندما قال شاول: «هوذا نذهب، فماذا نقدِّم للرجل؟ لأن الخبز قد نفد من أوعيتنا، وليس من هدية نقدمه... ماذا معنا؟». فعاد الغلام وأجاب شاول وقال: «هوذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة...» فقال شاول لغلامه: «كلامك حسن. هلم نذهب. فذهبا إلى المدينة التي فيها رجل الله» (1صموئيل9: 6-10).
ونحن نعلم نتائج الذهاب إلى رجل الله، فالأُتن وُجدت، وشاول مُسِح ملكً.
وعبيد نعمان السرياني قالوا أيضًا أقوالاً حسنة، فعندما غضب نعمان قائدهم ولم تعجبه طريقة أليشع لشفائه من البرص عندما قال له: «اذهب اغتسل سبع مرات فى الأردن... وتطهر». ورجع نعمان ومضى بغيظ، وارتكب خطأً كاد أن يفقده فرصة الشفاء، عندئذ تقدم عبيده وهدّأوا من روعه وقالوا له: «يا أبانا لو قال لك النبي أمرًا عظيمًا أما كنت تعمله؟ فكم بالحري إذ قال لك اغتسل واطهر. فنزل وغطس...
وطهر» (2ملوك5: 13-14).
فالكلام الحسن كلام يهدي الضال، ويحيي الأمال، ويبعث الرجاء من جديد. «والكلمة فى وقتها ما أحسنها» (أمثال15: 23). «تفاح من ذهب، في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلِّها» (أمثال25: 11).
والكلام الحسن لانجده إلا عند صاحب «الاسم الحسن» (يعقوب2: 7)، الذى «عمل كل شيء
حسنًا» (مرقس7: 37)، والذي شهد الأعداء عنه بالقول: «لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل
هذا الإنسان» (يوحنا7: 46).
وإلى اللقاء مع نوع أخر من أنواع الكلام.