في عائلة الله يوجد الأقوياء والضعفاء، الأغنياء والفقراء، اليهود والأمم، الأبيض والأسود، العبد والحر، المتعلِّم وغير المتعلم. طبقات مختلفة، مستويات اجتماعية ومادية مختلفة، مستويات روحية مختلفة؛ ولكن، لأن كل المؤمنين هم أولاد الله، فعلى كل مؤمن أن يقبل أخاه المؤمن كما هو، وذلك لأن المسيح أيضًا قبلنا لمجد الله.
والقوة والضعف، بحسب ما جاء في رومية14 ،15، هي من حيث المعرفة الروحية والتمتع بالحرية المسيحية، فيوجد من هو قوي في الإيمان، وهو الذي يأكل كل شيء بضمير قوي ولا يهتم بأيام معينة في السنة دون الأخرى بل يعتبر كل الأيام متساوية، ومن هو ضعيف في الإيمان، هو الذي يعتبر طعامًا نجسًا دون الآخر، وهو الذي يعتبر يومًا أكثر أهمية من يوم آخر؛ وذلك لأنه كان صعبًا على اليهودي الذي آمن بالرب يسوع أن يتخلى مباشرة عن الفرائض الناموسية المرتبطة بأكل معين وبأيام معينة، بينما الأممي كان له فكر متحرر من جهة تلك الأمور عندما كان في الوثنية. لذلك يوحي الرسول بولس بالروح القدس قائلاً: «فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا» (رومية15: 1). وأيضًا قبول من هو ضعيف في الإيمان، فالقوي يقبل الضعيف ولا يزدرِ به أو يحتقره، والضعيف يقبل القوي ولا يدينه أو ينتقده. لذلك يأتي هذا التحريض الهام «اقبلوا بعضكم بعضًا».
والمثال الكامل لنا في هذا الأمر هو شخص ربنا يسوع المسيح، الذي قَبِلنا لمجد الله، فلقد كنا أشرارًا وخطاة وعصاة وأعداء، لكن المسيح قبلنا كما نحن، وتعامل معنا بالنعمة، وغسلنا من خطايانا بدمه، فصرنا قديسين بلا لوم قدام الله.
ولقد قبل الرب يسوع أشخاصًا كثيرين من طبقات ونوعيات مختلفة، فلقد قبل من اليهود والأمم، من الأغنياء والفقراء، من المثقفَّين والعاميين. فمثلاً من اليهود قَبِل زكا رئيس العشارين والمرأة الخاطئة واللص التائب، ومن الأمم قَبِل المرأة السامرية والمرأة الكنعانية وقائد المئة. من الأغنياء قَبِل نيقوديموس ويوسف الرامي، ومن الفقراء بارتيماوس الأعمى. من المثقفين قَبِل لوقا الطبيب، ومن العاميين بطرس صياد السمك. وقد اتحد الجميع في المسيح، وصاروا رعية واحدة لراعٍ واحد.
وطالما المسيح قبلنا، فهل نقسو نحن على الذين هم له؟ أو لا نقبلهم؟ قد يكون أخي مختلفًا عني في أمور كثيرة؛ مثلاً في طريقة التفكير، أو في التصرف، أو في الكلام، أو في المستوى الروحي، أو المادي، أو الاجتماعي، أو ... أو...؛ لكن يجب أن أقبله لأن المسيح قد قَبِله لمجد الله. وقد يستلزم الأمر أن لا أُرضي نفسي، بل أبحث عن سروره كما هو مكتوب: «فليرضِ كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان» (رومية15: 2). والمسيح - له المجد - هو مثالنا الكامل الذي لم يرضِ نفسه، بل عاش بالتمام على الأرض لمجد الله ولبركة الآخرين.
نحن لا نقبل بعضنا البعض على أساس عضوية مذهبية في كنيسة ما، أو على أساس مركز اجتماعي أو مالي، أو على أساس قومي أو قَبَلي أو ثقافي معيَّن؛ لكن نقبل كل الذين قَبِلهم المسيح نفسه.
في إحدى الكنائس، في مدينة ما كان معظمها من الأغنياء ومن لهم مناصب اجتماعية عالية، جاء إليهم أخ مؤمن غريب تبدو سمات الفقر عليه، فأراد بواب الاجتماع أن يمنعه من الدخول فكانت إجابة هذا المؤمن: أن الله المحب صار أبًا لي، وكل المؤمنين إخوة لي، فكيف تمنعني من الشركة مع إخوتي! ، فسمع له. وقبله المؤمنون هناك بمحبة وفرح، وتعزوا من استخدام الرب له في الاجتماع.
وعندما نقبل بعضنا البعض، في جو من المحبة الإلهية والشركة المسيحية، فلا بد أن تكون هناك البهجة والفرح والسرور، وأيضًا النمو الروحي والانسجام والتناغم بين المؤمنين؛ وهذا يعود بالمجد لله. وهذا ما فعله فليمون مع أنسيمس العبد الهارب، الذي ظلمه، وكان قبلاً غير نافع؛ ولكنه بعد إيمانه بالرب يسوع صار نافعًا للرب وللرسول بولس الذي أوصى فليمون قائلاً: «اقبله نظيري»، أي أن فليمون يقبل أنسيمس كما يقبل الرسول بولس تمامً. بحق يا لسمو النعمة الغنية!
أما إذا لم نقبل بعضنا البعض فسيكون الانقسام والتحزب بين المؤمنين؛ وفي هذا خطر عظيم. وإذا وُجد تمييز بين مجموعة وأخرى فسيحدث تذمر كما حدث في أعمال الرسل الأصحاح السادس، وهذا لا يمجِّد الله. وتحذِّرنا كلمة الله أيضًا من ديوتريفس الذي يحب أن يكون الأول بين المؤمنين، فلم يقبل الرسول يوحنا، هاذرًا عليه بأقوال خبيثة، ولم يقبل الإخوة ويمنع الذين يريدون ذلك ويطردهم من الكنيسة (يوحنا الثالثة). لنحذر فإن مَنْ لا يقبل المؤمنين يصنع الشر.
أخي .. أختي .. ليعطنا الرب دائمًا أن نقبل بعضنا البعض بكل محبة وود ولطف وحنان، بالرغم من وجود اختلافات بيننا في أمور كثيرة، واضعين المثال الكامل أمامنا ربنا يسوع المسيح الذي قبلنا لمجد الله.