ماذا أعمل لرث الحياة الأبدية؟
هذا سؤال هام جدًا وجهه شاب غني، ذو مركز اجتماعي كبير، إلى الرب يسوع؛ كما نقرأ ذلك في ثلاثة أناجيل مرقس10:17؛ لوقا18:18؛ متى19:16.
لقد جاء إلى الرب يسوع يملأهُ الخوف من المستقبل، والشعور بعدم رضى الله عليه في حياته. فرغم تمتعه بكل مقومات الحياة الحاضرة؛ لكنه كان محرومًا من ضمان المستقبل، فجاء يفتّش لعله يجد الطريق الصحيح للحياة الأبدية.
دعونا نتأمل في هذه القصة حتى نصل إلى الاجابة الصحيحة على هذا السؤال الهام.
أولاً:حالة الشاب وأفكاره
- المركز الاجتماعي الكبير:كان هذا الشخص شابًا، يتمتع بالصحة الجسدية. وكان غنيًا، لديه المال الكافي لحياة زمنية مُريحة. وكان كذلك رئيسًا، أي له مركز اجتماعي مرموق. ولكن هذه الامتيازات كلها لم تملأ فراغ حياته، ولم تعطه الضمان الحقيقي للمستقبل. وانطبق عليه بحق قول الرب «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟» (متى16:26).
- معرفة وصايا الله: عندما قال له الرب «احفظ الوصايا» كان جوابه «هذه كلها حفظتها منذ حداثتي». ولكن عندما واجهه الرب بحقيقة وضعه في التطبيق العملي لما يحفظه، ظهرت حقيقته؛ فهو يعرف ويحفظ كثيرًا في ذهنه، أما قلبه فبعيدًا عن ذلك. وانطبق عليه قول الرب «من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل... كان سقوطه عظيمًا» (متى7:26 ،27).
- سيطرة المال على حياته: عندما أجابه الرب بالقول «بِع كل ما لك» يقول الكتاب «فاغتم على القول ومضى حزينًا». إنه يريد أن يعيش في شهوات العالم وملذّاته، وفي نفس الوقت يتمتع بالحياة الأبدية؛ ونسي القول «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ... لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (متى6:24).
- الأعمال الصالحة أساس للحصول على الحياة الأبدية: كان سؤاله للرب «أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟». لقد نسي أن أعمال الإنسان، مهما سمت، لا تستطيع أن تفي مطاليب عدالة الله؛ فإن «أجرة الخطية هي موت» (رومية6:23). وتجاهل أن داخل الإنسان نبعًا فاسدًا، قال عنه بولس الرسول «ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح» (رومية7:18)، وكتب عنه إشعياء النبي قديمًا «كثوب عدة (نجاسة) كل أعمال برّنا، وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا» (إشعياء64:6).
هذا وضع الشاب وأفكاره فماذا كانت اجابة الرب على سؤاله؟؟
- لماذا تدعوني صالحًا؟: لقد جاء الشاب للرب على أنه مجرد إنسان مُعلِّم، لكنه مختلف عن بقية المعلمين في أنه معلِّم صالح. لذلك أراد الرب أن يصحِّح مفهومه عن الصلاح الحقيقي، ويعرّفه أن الصلاح لله وحده، وأن الإنسان مهما حاول جاهدًا للوصول لحياة الصلاح الحقيقة لن يصل إلى ذلك بمجهوده الشخصي.
- احفظ الوصايا: ظَنّ الشاب أنه مرضي أمام الله لأنه يحفظ الوصايا «منذ حداثته»، ونسي أن حفظ الوصايا يعني العمل بها وتطبيقها عمليًا، وليس حفظها كمعلومات في الذهن وترديدها على اللسان، وهذا ما قاله الله قديمًا عن شعبه «هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني» (إشعياء29:13؛ متى15:7-9؛ مرقس7:6 ،7).
- بِع كل ما لك: «نظر إليه يسوع» وأحبه، لأنه علم مخاوفه الداخلية ورغبته الصادقة في التمتع بالحياة الأبدية؛ لذلك، وكالطبيب الماهر، وضع أصابعه على أصل المشكلة، وعلى المُعطِّل الرئيسي عنده، وهو تعلقه بالمال وسيطرته على حياته. وهذا ما يوضحه الكتاب بالقول «لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلّوا عن الإيمان» (1تيموثاوس6:10).
- تعال اتبعني: وضع الرب هنا البداية الصحيحة للحياة الأبدية، وهي تغير الاتجاه؛ أي التحوّل عن الماضي بكل ما فيه، ثم اتّباع الرب من كل القلب، مستعدين لاحتمال التكلفة مهما كانت، حتى لو وصلت إلى الموت. وهذا ما قاله الرب «حاملاً الصليب».
أخيرًا لنرى ماذا كان تصرف هذا الشاب أمام نصائح الرب الثمينة:
- اغتمَّ على القول: لقد دخلت كلمة الرب إلى أعماقه، أمضى من سيف ذي حدين، وميّزت أفكار القلب ونياته، ووضعته أمام حقيقة نفسه؛ وبدلاً من أن يحزن على حالته ويتوب عنها كانت محبة المال أقوى تأثيرًا عليه من طاعته لكلمة الرب. وهذا ما قاله الرب عن البذار التي زُرعت بين الشوك فاختنقت «هَمّ هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر» (متى13:22).
- مضى حزينًا: يا لها من نهاية محزنة! فهنا شخصًَا تقابل مع الرب شخصيًا، وسمع كلماته ونصائحه، وبدلاً من أن كلمة تغيّر حياته وتمنحه السعادة والفرح الحقيقي؛ إذا به يمضي حزينًا! لماذا؟ ما هوالسبب؟ يقول الكتاب «لأنه كان ذا أموال كثيرة»!
والآن ماذا عنك يا أخي الشاب؟ هل تشعر بالقلق وعدم الأمان على مستقبلك الأبدي؟ هل تشعر بأنك بعيد عن الله وليس لك علاقة حقيقية معه؟
إنه يقول لك «يعوزك شيء واحد». اطلب منه أن يفتح ذهنك لمعرفة ما هو المعطَّل الذي يعطلك عن قبوله. أطِع صوته في ما يقول لك، وارجع إليه بتوبة صادقة صحيحة. وعندها سوف تذهب في طريقك الجديد، ليس «حزينًا»، بل «فرحًا» (أعمال 8:39).