كتبت في المرة السابقة عن المبشِّر الرائع چورچ هوايتفيلد وعن خدمته العظيمة، واليوم أحب أن أقص عليك هذه القصة الحقيقية عن ثورب Thorpe ألد أعداء خدمة هوايتفيلد.
كان ثورب أنشط من قاوم خدمة چورچ هوايتفيلد، ففكّر طويلاً في أنجح الطرق لتعطيل خدمة هوايتفيلد. وأخيرًا جاءته فكرة جهنّمية؛ وهي أن يعمل تمثيلية أمام الجمهور لتقليد چورچ هوايتفيلد، وأن يجعل من الجمهور نفسه هيئة التحكيم ليعطي الجوائز لأفضل من يقلِّد المبشّر ذائع الصيت، فمن ينال أكبر قدر من التصفيق، ويحقق أكبر قدر من السخرية والاستهزاء بالطريقة التي يخدم ويتكلم ويصلي بها چورچ هوايتفيلد، ويسبب أكثر قدر من الهرج والمرج؛ ينال جوائز أكثر.
حدد ثورب المسرح وتقدم ثلاثة من المقلدين الموهوبين في الكوميديا، بالإضافة له هو شخصيً. وكانت الشروط أن يفتح المُقلد الكتاب المقدس حيثما اتفق، ويقلّد المبشر من أول جزء تقع عليه عينيه. وهكذا فعل الثلاثة الممثلين الذين نالوا قدرًا كبيرًا من التصفيق والإعجاب، إذ كانت القاعة تضج بالضحك والتهريج. حتى جاء الدور على ثورب، فوقف على منبر التمثيل، وفتح الكتاب المقدس حيثما اتفق فوقعت عينيه على المكتوب: «وكانَ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمْ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ. أَوْ أُولَئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ؛ أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ» (لوقا13: 1-5). ولما تأمل لحظات وهو يقرأ هذه الكلمات شعر بصاعقة ورعب شديد يتملكه، وكان كل جسده يرتعش، وأدرك أن الله يتكلم إليه هو شخصيًا؛ فأخذ يحدّث الجمهور بكل جدية عن الهلاك الأبدي والدينونة، ويكرر بين كل عبارة والأخرى هذة الآيه «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ». وكانت كلماته عميقة ومؤثّرة، فساد صمت عميق في القاعة، حتى ارتعب الحاضرون، وبكى البعض تـأثرًا وخـوفـًا من الدينونة، ولم يقاطعه أحد. وقبل أن يختم كلامه أحنى رأسه، وخرج مسرعًا من الباب الخلفي للمسرح، وسط عاصفة من التصفيق المستمر. ولكن إلى أين ذهب ثورب؟ لقد دخل حجرته الخاصة، وهناك سلَّم قلبه بالتمام للرب يسوع المسيح الذي مات على الصليب بدلاً منه وقام من بين الاموات لينجيه من الدينونة الأبدية. وأصبح ثورب بعد هذا من أكثر مساعدي چورچ هوايتفيلد أمانة وأخلاص لمجد الرب يسوع المسيح وخدمته.
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. إن الكلمات العظيمة التي قرأها ثورب من لوقا13: 1-5 والتي تعامل الله معه من خلالها تحكي عن حادثتين قديمتين هما: -
- هجمة إرهابية عدوانية: حين خلط بيلاطس دماء الجليليين بذبائحهم.
- كارثة طبيعية عاتية: برج سلوام يسقط على 18 في أورشليم ويقتلهم.
واليوم تتوالى، بسرعة مفرطة، في كل مكان في العالم، عمليات القتل الأرهابية الرهيبة، وسقوط الطائرات واحتراقها، وحوادث الطرق، والكوارث الطبيعية الجبارة من الزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والأوبئة، والمجاعات. وفي كلمات الرب دروس هامة لنا هذه بعضها:
- علينا ألا نركز على الحوادث نفسها بقدر ما نستفيد من دروسها: فالله يتكلم من خلالها كما قال أليهو لأيوب : «لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَ. لَكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ عِنْدَ سُقُوطِ سُبَاتٍ عَلَى النَّاسِ فِي
النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ» (أيوب33: 12-17).
- الحوادث إنذار لنا: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ؛ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية2: 4 ،5).
- الذين ماتوا بالإرهاب أو الكوارث الطبيعية ليسوا من الأحياء الآن: وهذا كان أجلهم المعيَّن «اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبً... أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ عِنْدَكَ وَقَدْ عَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ» (أيوب14: 1 ،5).
- لا فرق بين الجليل، حيث الهجمة الأرهابية، وبين أورشليم (مدينة السلام) حيث الكارثة الطبيعية: فالسلام ليس في المكان بل بالإيمان «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية5: 1).
- الذين لا يأتيهم القضاء سريعًا لا يُعفون منه ألا وقتيًا: «كَمَا إِذَا هَرَبَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِ الأَسَدِ فَصَادَفَهُ الدُّبُّ، أَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ فَلَدَغَتْهُ الْحَيَّةُ!» (عاموس5: 19).
لقد كرر الرب هذه الآية في هذا الجزء «إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ» والتوبة ليست معناها فقط الحزن على الخطية، بل تركها «اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ» (إشعياء55: 6 ،7).
فهل تتأثر مع ثورب وتعود للمسيح وتصلي معي الآن:
صلاة: يا مَن خلّصت أشقى المستهزئين المجرمين.. وفككت قيود المأسورين.. خلصني أنا الإنسان المسكين.. بقوة دمك الثمين.. آمين.