في زمن لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح،
بل ويصرفون مسامعهم عن الحق،
وينحرفون إلى الخرافات،
و«يقولون للرائين لا تروا، وللناظرين لا تنظروا لنا مستقيمات. كلّمونا
بالناعمات، انظروا مخادعات، حيدوا عن الطريق، ميلوا عن السبيل، اعزلوا من أمامنا
قدوس اسرائيل» (إشعياء30: 10-11).
لذلك ما أشد الحاجة إلى:
الكلام المستقيم
«تُقبَّل شفتا من يجاوب بكلام مستقيم» (أمثال 24: 26).
يأتي هذا القول بعد القول «من يقول للشرير: أنت صديق، تسبّه العامة، تلعنه الشعوب» (أمثال 24: 24)
في إحدى الجنازات دُبِّرت مكيدة لأحد المؤمنين المعروفين باستقامتهم قولاً وعملاً؛ فنصبوا له الشبكة لعلّهم يصطادونه ويسقطونه في الكلام فسألوه، على مسمع ومرآى من المُعزّين، وأهل المتوفي بالطبع حاضرين: أين ذهب المرحوم فلان؟ وقد كانت حياة فلان الميت لها وجهان: وجه مليح وآخر قبيح، وجه مضيء و كريم، حسنٌ وشهٌم في المناسبات والاحتفالات، أمام وجهاء القوم؛ ووجه آخر مظلم وفاسق، طماع ومخادع.
أمثال هؤلاء الذين وصفهم الرب يسوع المسيح بأنهم: يعشِّرون النعنع (أمام الناس)
ويبلعون الجمل (بعيدًا عنهم) (متى23: 23 ،24).
فأجاب المؤمن المجرَّب قائلاً: «يعلم الرب الذين هم له. وليتجنب الإثم كل
من يسمي اسم المسيح» (2تيموثاوس2: 19).
ثم عادوا يسألون: لكن أين هو الآن؟
فأجاب: إن المرحوم الآن مع حبيبه. فالذي أحبه هنا وعبده وخدمه وعاش له وضحى
لأجله هو الآن معه، بل وسيظل معه إلى أبد الآبدين.
فكانت إجابته حكيمة مستقيمة لأنه إن جاملهم وقال: في النعيم ربما يُغضب الله،
وإن قال: في الجحيم، أغضب الناس.
في أخبار الأيام الثاني 18 نقرأ عن نبي يدعى ميخا بن يملة، عندما ذهب إليه رسول قائلاً له: «هوذا كلام جميع الأنبياء (400 نبي) بفم واحد خير للملك، فليكن كلامك كواحد منهم، وتكلّم بخير. فقال ميخا: حي هو الرب، إن ما يقوله إلهي فبه أتكلم». وهكذا تكلم ميخا بكلام الرب مخالفًا بذلك كلام الأنبياء الـ400.
ليتنا نحن أيضًا لا نقول إلا ما يقوله لنا الرب مهما كانت التكلفة.
جاء إلى المسيح ليلاً رجل شيخ اسمه نيقوديموس، وهو معلم ورئيس لليهود ومن الفريسيين، فجامل المسيح وحيّاه تحية رقيقة إذ قال له: «يا معلم نعلم أنك أتيت من الله معلمًا، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه» (يوحنا3: 2). أما المسيح فلم يتأثّر بالمجاملة أو يعلّق على التحية بل قال له: «الحق الحق اقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (يوحنا 3: 3). فما أحوجنا فى هذه الأيام، التي امتلأت بالمجاملات والمداهنات، إلى كلام مستقيم وفي الصميم!
لكن مِمَن نتعلم الكلام المستقيم وكيف نتعلمه؟
نتعلم الكلام المستقيم من:
- الرب يسوع المسيح: إن الإتيان للمسيح، والإيمان به، هو السبيل الوحيد لتعلم الكلام المستقيم.
فما أعجب ما صنع المسيح لإنسان أصم أعقد اذ شفاه «وللوقت انفتحت أذناه، وانحلّ
رباط لسانه، وتكلّم مستقيمًا» (مرقس7: 35).
- الكتاب المقدس: «وصايا الرب مستقيمة تفرِّح القلب»
(مزمور19: 8).
- الحكماء: «المساير الحكماء يصير حكيمًا ورفيق الجُهّال يُضـــرّ» (أمثال13: 20).
والحكمة هنا هي الحكمة التي من فوق، الإلهية وليست الأرضية.
أما بركات الكلام المستقيم فهي كالآتي:
- الاحترام والتوقير: «تُقبَّل شفتا من يجاوب بكلام مستقيم»
(أمثال24: 26).
- الفرح الغزير: «يا ابني إن كان قلبك حكيمًا يفرح قلبي أنا
أيضًا، وتبتهج كليتاي إذا تكلّمت شفتاك بالمستقيمات» (أمثال23: 15-16).
- النجاة من الشرير: «كلام الأشرار كمون للدم (يتربص لسفك
الدم) أما فم المستقيمين فينجيهم» (أمثال12: 6).
- حب القدير: «المتكلم بالمستقيمات يُحَــب» (أمثال16: 13).
فالكلام المستقيم هو: كلام «بالحق، ليس فيه عوج ولا التواء» (أمثال8: 8)، كلام لا نفاق فيه (هوشع14: 9)، ولا عسل يحلّيه (والعسل صورة للمجاملات الإنسانية)
. هو كلام ينبه الغافلين، ويوقظ النائمين «عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق،
فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته» (2تيموثاوس2: 25-26).