هذا هو المطلب الثالث لكي نختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة. لقد طلب الرسول من المؤمنين أولاً أن يقدّموا أجسادهم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، وهذا هو التكريس. ثم طلب منهم أن لا يُشاكلوا هذا الدهر؛ أي لا يتأثّروا بمبادئ العالم ولا يُجاروه. وأخيرًا أن يتغيروا عن شكلهم بتجديد أذهانهم. والتغيير يبدأ من الداخل، وينعكس على الخارج.
والآن، ما هو الشكل المطلوب تغييره؟ هل هي عادات أو طباع رديئة، أم هي خطايا وتصرفات لا تليق؟ كل. بل هو "أنا"، بكل ما ورثته واكتسبته وتأثرت به من المجتمع والبيئة المُحيطة. فأنا كإنسان طبيعي، لا أستطيع أن أختبر ما هي إرادة الله. لهذا، نحن نحتاج كمؤمنين أن نخلع الإنسان العتيق الفاسد، ونلبس الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. هذا الجديد يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. وهذا يحدث عن طريق تجديد الذهن.
وما هو الذهن؟ إنه جزء في الكيان الإنساني مسئول عن التفكير والفهم والإدراك والتذكُّر والخيال. وهو يقوم بهذه الوظائف طبقًا لِما اختزنه في داخله من مبادئ أو أفكار. والذهن مثل الكمبيوتر، إذا أدخلنا إليه بيانات صحيحة، سنحصل منه على معلومات صحيحة تساعد في القرارات والاختيارات.
وقبل الإيمان كان الذهن تحت سيطرة الشيطان ويحوي مبادئ وتعاليم فاسدة، ويُسمَّى "الذهن الفاسد" (1تيموثاوس6: 5؛ 2تيموثاوس3: 8). وبسبب غباء الطبيعة في قبول الحق، يُسمَّى "الذهن الغليظ" (2كورنثوس3: 14). وبفعل إله هذا الدهر، يصبح الذهن أعمى (2كورنثوس4: 4). ولأنه يحوي مبادئ جسدية، يُسمَّى "ذهن جسدي" (كولوسي2: 18). وبسبب تفاهة وبُطلان الأفكار العالمية التي تشغله، يُسمَّـى "ذهـن باطـل (فارغ)" (أفسس4: 17). وعندما يستسلم الإنسان لغرائزه ويسلك طريق العصيان، فإن الله يسلمه إلى "ذهن مرفوض" (رومية1: 28).
ولكن عندما يولد الإنسان ولادة ثانية، تدخل مبادئ إلهية جديدة لتُعيد تشكيل هذا الذهن، ويصبح ذهنًا جديدً. وهذا الذهن الجديد يحتاج أن ينمو إلى الكمال (1كورنثوس14: 20)، وأن يتجدد (رومية12: 2)، وأن يُنهَـض بالتذكـرة (2بطرس3: 1)، وأن يُمنّطَــق بالحــق (1بطرس1: 13).
إن تجديد الذهن هو عملية إسقاط لكل الأفكار والمبادئ القديمة الشيطانية والعالمية والجسدية التي يحتويها الذهن. وبذلك يصبح الذهن نقيً. ثم تدخل إليه أفكار ومبادئ إلهية جديدة من كلمة الله، يبدأ على أساسها الذهن في ممارسة وظائفه في الاختيارات والقرارات. وهذه العملية تتم ونحن في محضر الرب وأمام كلمته، حيث يزرع أفكاره فينا ويكتب نواميسه في أذهانن.
إننا من خلال قصص الكتاب، ستختلف نظرتنا للأمور، سنتعلم عن صفات الله وعن أنفسن. سنعرف ما هو وقتي، وما هو أبدي. ستتغير نظرتنا للحياة، وللنجاح، ولإخوتنا، وللاجتماعات... إلخ. وحتى نظرتنا للألم والحرمان، وردود أفعالنا ستختلف. وكل ذلك طبقًا لِما تعلّمناه من كلمة الله، وما اختزنه الذهن من أفكار إلهية جديدة. وهذا سيجعلنا أكثر قدرة على اختبار ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.
وبهذا نكون قد أكملنا حديثنا عن هذا الموضوع الهام؛ والذي نصلي أن يكون سبب بركة لك.