جميل أن نحمل أثقال بعضنا البعض، فنشارك المتألمين في ألمهم، والمتضايقين في ضيقتهم، والحزانى في حزنهم، والمذَلّين في ذلهم ونذكر المقيدين كأننا مقيدون معهم (عبرانيين13: 3)؛ وذلك لأننا كمؤمنين بالرب يسوع صرنا جميعًا أعضاء في جسد واحد، فإن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه (1كورنثوس12: 26)، وكل عضو في جسد المسيح يعمل لخير العضو الآخر ويساعده ويحمل معه أثقاله.
وكلمة «الأثقال» هنا تشير إلى التجارب والضيقات والامتحانات والسقطات، لذلك يجب أن نسارع بالوقوف بجانب الأخ المتضايق والمجرَّب، لكي نساعده بكل الطرق الممكِنة، عوضًا عن مجرد الابتعاد أو الانتقاد.
سمح الرب لأرملة تقية أن تفقد أحد أبناءها، فحزنت كثيرًا عليه، وأتى إخوة وأخوات من أماكن مختلفة معزّين له. وبعد فترة جاء لها أحد خدام الرب الذي كانت له علاقة محبة وشركة مع هذه الأسرة، ولكنه عندما دخل البيت لم يستطع أن يتكلم بكلمة واحدة ليعزيها أو يفتح كتابه المقدس، ولكنه بكى وانهمرت الدموع من عينيه بكثرة. وبعد فترة وقف وصلى مستودِعًا الأم المتألّمة للرب القادر أن يعزّيها ويشجّعه. ولقد كانت لهذه الزيارة أثرًا عظيمًا على قلب الأم المجربة فقالت: لقد أتى إخوة وأخوات بكثرة ومن أماكن مختلفة، ولكن في زيارة هذا الخادم الذي بكى شعرت أن هناك شخصًا حمل معي ثقل التجربة.
أمثلة لأشخاص حملوا أثقال الآخرين:
- المثال العظيم لنا فـي حمل الأثقال هـو الرب يسوع المسيح المكتوب عن أنه «أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا» (متى8: 17). فعندما رأى الإنسان الأصم الأعقد (أي لا يسمع ولا يتكلم) نجده - تبارك اسمه - رفع نظره نحو السماء وأنَّ، وبهذا كان يتألم لألم هذا الإنسان حاملاً مرضه وثقله (مرقس7: 32-35). وليس ذلك فقط بل هو وحده الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة (1بطرس2: 24) وهذا كان أعظم ثقل حمله المسيح على الصليب.
- الرسول بولس: كان يحمل أثقال المؤمنين والكنائس فكان يهتم بالتبشير لخلاص الخطاة وتأسيس الكنائس وكان يهتم بالتعليم ورعاية المؤمنين، كان يهتم بالكنائس فأرسل لها الرسائل لمعالجة الأخطاء التعليمية والسلوكية، وكان يهتم بالأفراد ويشجعهم مثل تيموثاوس وتيطـس وفلـيمون. ولقـد قال: «التراكم عليَّ كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس» (2كورنثوس11: 28)، وعندما أرسل رسالته الأولى لمؤمني كورنثوس كان قد كتبها بحزن كثير وكآبة قلب ودموع كثيرة وذلك لأنه كان يحبهم (2كورنثوس2: 4).
- موسى رجل الله: لما كبر خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم وهم عبيد في أرض مصر، وبعد ذلك حمل أثقالهم في البرية أربعين سنة، فاحتمل تذمراتهم وخصوماتهم وتمردهم وشكواهم على الرب وعليه، وفي معظم المرات كان يذهب للرب مصليًا طالبًا الإرشاد والمعونة.
أرسل الجنرال "وليم بوث": مؤسس جيش الخلاص إلى أحد المؤتمرات الروحية العالمية والذي تغيب عنه بسبب مرضه قائلاً كلمة واحدة هي: "الآخرون". أي أن وجودنا على الأرض هو من أجل أن المسيح يتعظم في حياتنا وذلك بخدمة الآخرين.
كيف نحمل أثقال الآخرين؟
أولاً: عن طريق الصلاة: فعندما نجلس مع الشخص المجرَّب أو المهموم ونلقي المشكلة على الرب في الصلاة فإننا بذلك نشاركه في حمل ثقل التجربة. قال بولس لمؤمني كورنثوس: «وأنتم أيضًا مساعدون بالصلاة لأجلنا» (2كورنثوس1: 11).
ثانيًا: عن طريق المشاركة الفعلية: بزيارة هذا الشخص المتألم والسؤال عنه، نشترك معه في شدائده وآلامه ثم نشجعه من كلمة الله. وهذا ما فعله الرب إذ ذهب إلى بيت عنيا وشارك الأختين في حزنهما وبكى معهما، وهو بذلك كان يحمل ثقل التجربة وكانت دموعه إعلانًا عن محبته لهذه العائلة. والرسول بولس نفسه وهو أسير مسافر إلى رومية، عندما رأى الإخوة شكر الله وتشجع (أعمال28: 15).
ثالثًا: عن طريق العطاء: فكثير من القديسين يجتازون في ظروف مادية صعبة، وعند مشاركة بقية المؤمنين لهم فهم بذلك يحملون أثقالهم. وقول الرب لنا: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال20: 35). عندما انحدر من أورشليم إلى إنطاكية نبي اسمه أغابوس وأشار بالروح أن جوعًا عظيمًا كان عتيدًا أن يصير على جميع المسكونة، فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم أن يُرسل كل واحد شيئًا إلى الإخوة الساكنين في اليهودية، ففعلوا ذلك مرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول (أعمال11: 27-30). وهم بذلك شاركوا في حمل أثقال الإخوة الساكنين في اليهودية.
رابعًا: في حالة زلة أخ ما أعتبر خطأه هو خطئي وأعمل على إصلاحه: فقول الكتاب لنا: «أيها الإخوة إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة» (غلاطية6: 1). فالأخ المخطئ يشعر بثقل خطئه، فلا ينبغي أن نزيد عليه الثقل، بل نساعده حتى يرجع عن خطئه ويتوب عنه؛ وهذا يتطلب قدرًا من الروحانية والاتضاع، وحمل الثقل معه، وعندما ترد نفسه فلا بد أن يفرح ويبتهج. مع ملاحظة أن المؤمن الروحي يجب أن يكون متحررًا من أي ثقل لكي يشترك في حمل أثقال إخوته «لنطرح كل ثقل».
وعندما نحمل أثقال الآخرين ونشترك معهم في أحزانهم وآلامهم وتجاربهم فإننا بذلك نتمم ناموس المسيح الذي هو المحبة والتضحية ونكران الذات، فالمسيح لم يأتِ ليخُدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مرقس10: 45)، لقد جال يصنع خيرًا ، وهو لم يُرضِ نفسه ولم يختَر سبيل الراحة وعدم الاهتمام بل اهتم بإرشاد الضالين وتعزية المحزونين، لم ينشغل بما لنفسه ولكن بما للآخرين.
بحق ما أبعد الفارق بين الفريسي والمسيحي الحقيقي، فالفريسيين «يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم» (متى23: 4) أما المسيحي الحقيقي فهو الذي يحمل أثقال إخوته متمِّمًا ناموس المسيح الذي هو المحبة والتضحية.
أخي .. أختي ... هل تشترك مع إخوتك في حمل أثقالهم؟ هل تتمم ناموس المسيح الذي هو الحب المضحي؟ هل من حولك شخص في حاجة ملحة للحاجات الجسدية؟ هل بجوارك أخ أو أخت في المسيح في حاجة إلى تقويم أو تشجيع؟ اسعَ لهذا الشخص بكل اتضاع ومحبة وتضحية والرب يكافئك.