عند الصليب رأينا - ولا زلنا نرى - مجموعات كثيرة ومتباينة من البشر. ومع أن صليب المسيح لم يستغرق من الوقت سوى ست ساعات، ولكن قد مر الآن ألفان سنة وقد كُتبت الآلاف من الكتب والملايين من المقالات وقُدِّمَ ما لا يُعَدَ من العظات. وجميعها لم تفِ الصليب حقَّه.
ونحن سنواصل معًا وقوفنا قرب الصليب، لنلتقي مع فئة جديدة من الموجودين هناك؛ ألا وهم: العسكر المقامرون
«ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ"... هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ» (يوحنا19: 23 ، 24).
شاء قَدَرَ هؤلاء الأربعة من العسكر أن تكون ساعات خدمتهم (نوبتهم) هي الساعات التي صُلِب فيها المسيح. ولا ندري هل هذا كان لحُسن حظهم أم لسوئه أن يكونوا هم أقرب الناس للصليب؛ فمن يقترب من المسيح ويسمع منه ويعرف عنه ولا يتعرف عليه كالمخلِّص والفادي فخير له لو لم يولد.
وفي البداية لا نستطيع أن نلومهم على ما قاموا به من عمل شنيع وقاس جدًا؛ لأنهم فعلوا هذا تنفيذًا لأوامر عُليا صادرة لهم. ولكن ما قادنا لنقترب من جزع الصليب هو ما كان يفعله العسكر هناك. فها هم يتنازعون ويتبارون في تقسيم الغنيمة التي فازوا بها، ألا وهي ثياب المصلوب، فقد كانت العادة أن تكون ثياب المصلوب من نصيب من قاموا بتنفيذ عملية الصلب. وهكذا كان نصيب كل جندي قطعة ثياب، وتبقى القميص، ولأنه كان منسوجًا كله بغير خياطة، فاقترحوا أن يلقوا عليه قرعة لمن يكون. وجلسوا وبدأوا في إجراء القرعة، وكأنهم يلعبون القمار.
وهنا نقترب منهم ونسألهم:
هل هذا وقته ومكانه، وفوق رؤسكم بأشبار قليلة شخص سمعتم أنه بريء وها هو يقاسي مرارة الألم والعذاب في مشهد يقود أقسى القلوب للخشوع والرهبه والصمت؟
فكيف لا قلب لكم؟
لماذا لا ترفعوا عيونكم لتنظروا المصلوب؟
ألم يثِركم صمتَه وسكونه غير المعتاد؟
ألم يلفت انتباهكم اختلافه التام عن المصلوبين الآخرين؟
ألم تسمعاه وهو يصلي لأجل صالبيه - وأنتم منهم - قائلاً «يا أبتاه اغفر لهم..»؟
ألم تسمعا حديثه مع اللص التائب ووعده له بأن يكون معه اليوم في الفردوس؟
بالتأكيد أنكم قمتم قبلاً بإجراء عملية الصلب لكثيرين. وبالتأكيد قد سمعتم أقذر الكلمات وأصعب الشتائم واللعنات عليكم وعلى رؤسائكم؛ أوَ لم تلحظوا أن الأمر يختلف الآن مع هذا المصلوب العجيب؟!
اسئلة كثيرة لم نجد لها جوابًا منهم، لأنهم كانوا يقامرون ولا يبالون.
آه لو رفعوا عيونهم والتقت بعينيه، وتأملوا رأسه المنكس والدماء تقطُر منها حولهم - ولا استبعد أن يكون بعضًا منها قد تناثر على ثيابهم. لو فعلوا هذا لذابت قلوبهم من نظرات المصلوب، وتطهّروا بدماه من كل خطاياهم.
صديقي القارىء: إن ما فعله العسكر يتكرّر كثيرً. فما أكثر اللاهين وغير المبالين والمقامرين في الوقت الذي فيه يرّن صوت المصلوب في آذانهم بالنداء بالغفران والتطهير والفداء.
وأخاف صديقي أن تكون واحدًا منهم، وأنت غير مبالٍ ولا تدري أن الرب يسوع قد تعرّى من ثيابه ليكسوك بالحُلّة الأولى، ليُلبسك ثياب الخلاص ورداء البر. فلا تنخدع مع المخدوعين وتقول أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء. بل ليتك تصغي لمشورة الرب لك «أشير عليك أن تشتري مني... ثيابًا بيضًا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك» (رؤيا3: 17 ، 18).