البلطو الأحمر

عندما شبَّ الحريق المروع في الجانب المُجدَّد من المول التجاري الشهير بشاطئ برسيلس في عام 1987م، لم يستطع كثير من المشترين والزوار والعاملين بالمكان أن يهربوا من نيران الحريق لسرعته وشراسته الشديدة؛ فاحترق ومات في الحال أكثر من 300 شخص. ولكن أحدى العاملات استطاعت أن تهرب سريعًا إلى المخرج، وكم كانت سعادتها شديدة إذ وجدت بجوارها زميلتها في المتجر وصديقة عمرها قد تمكنت من الهرب والنجاة من الحريق أيضً. إلا أن زميلتها أخذت تصرخ فجأة: "البالطو الأحمر! .. البالطو الأحمر!". وبسرعة شديدة نظرت للخلف، وبدون تردّد عادت إلى المتجر الذي كان يحترق.. عادت لتحاول استرجاع البالطو الأحمر، فدخلت للحريق، ولم تخرج أبدًا منه، بل تفحّمت مع البالطو الأحمر الذي دخلت للنار لأجله.

صديقي القارىء .. صديقتي القارئة: هل قرأت هذا الخبر الحقيقي الذي نُشر في بعض الجرائد اليومية تحت عنوان "مطاردة مكلِّفة لأجل الدولار". يحكي الخبر أن رجلاً بولنديًا نسي جواز سفره وبعض الأوراق و1000 دولار في كابينة تليفون، ثم ركب سيارته وسافر. وعلى الطريق الطوالي فجأة تذكّر ما فقده من الدولارات. ودون تفكير، أدار العربة، وسار بسرعة جنونية في عكس اتجاة الطريق؛ فاصطدمت السيارة بسيارتين كانتا تسيران في الاتجاة المعاكس، في حادث مروع كانت نتيجته أن فقد الشاب البولندي، البالغ من العمر 29 سنة، حياته، وأصيب آخر إصابة بالغة، وتحطّمت سيارتان تمامً. ومما يدعو للسخرية أن جواز السفر والدولارات فُقدوا قبل أن يصل أحد إليهم.

صديقي القاريء العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة: -

إن البالطو الأحمر والدولارات التي هلك بسببها كل من عاملة المتجر في شاطئ برسيلس والشاب البولندي، لَهُم صورة لأي شيء تافه تُهمل خلاص نفسك لأجله.

فعيسو، ببالطو العدس الأحمر، رُفض من البركة بعد أن خسر البكورية (تكوين25: 30؛ 27: 30-34).

وامرأة لوط بحُب سدوم صارت عمودًا من مادة ملحية (تكوين19: 26).

وبلعام العرّاف أحب المال «أجرة الإثم» فقُتل في نهاية مُزرية (عدد22: 24؛ يشوع13: 22).

وعخان بن كرمي رُجم مع عائلته بسبب رداء وتُحفة ذهبية (يشوع7: 25).

وأمنون قتله أخوه ببالطو الشهوة الجنسية (2صموئيل13).

وجيحزي باع مكانته وأبديته بوزنتي فضة وحُلة سريانية (2ملوك5).

وبيلشاصر المتكبِّر أنهى حياته في حفلة العظمة الفانية (دانيال5).

والشاب الغني مضى للجحيم حزينًا إذ أحب الأموال الأرضية (مرقس10: 22).

والغني الغبي قضى حياته في التكويم وظن أن الحياة باقية (لوقا12: 20).

والغني الذي طُرح لعازر عند بابه، قرأ الرسالة في لهيب الهاوية (لوقا16: 24).

ويهوذا خان سيده وباعه بثلاثين من القطع الفضية (متى27: 3-6).

وبيلاطس لأجل كرسي الولاية أسلم المسيح وأهمل الرسالة الزوجية (متى27: 19).

وفيلكس أجّل توبته وهلك لانتظاره دراهم مادية (أعمال24: 24-27).

صديقي .. صديقتي: أخاف أن تُهمل نجاتك الأبدية لأي سبب، أيًّا كان، مهمًّا أو جذّابًا بالنسبة لك، كالبالطو الأحمر أو الدولارات. اسمع ما هو مكتوب: «لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً، فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا» (عبرانيين2: 2 ،3).

لقد نظرت عاملة المتجر للوراء فدخلت النار، ونظر الشاب البولندي للوراء فهلك؛ اسمع ما قالة الرب يسوع لمن قال له: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ وَلَكِنِ ائْذِنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ» (لوقا9: 61 ، 62).

إن هذا ما حدث قديمًا مع لوط وأمرأته: «وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلَِكَ... فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ وَكُلَّ الدَّائِرَةِ وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ وَنَبَاتَِ الأَرْضِ. وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ!» (تكوين19: 19 ، 24-26). لهذا حذّرنا الرب يسوع: «كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ كَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ. اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ! مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا» (لوقا17: 28-33).

فهل تتحذر وتأتي الآن للرب مصلّيًا معي:

صلاة:

يا من حُرقت على الصليب بدلاً مني .. استلم قيادة حياتي الآن لتنقذني، أدعوك أن تحررني فلا أنظر للوراء، بل لأسير معك إلى السماء.. آمين.