وسط جو صاخب من الأضواء الملوَّنة، والموسيقى الراقصة، ومظاهر الاحتفالات من الزينات والتحيات؛ كانت امرأتان مرتديتان لِبَاسًا أنيقًا فاخرًا، تتناولان عشاءهما في مطعم فاخر جدًا، مع جمع كبير من الرجال والنساء·
شاهدتهما إحدى الصديقات، فقصدت إليهما لتسلَِّم عليهما، وسألتهما: ما المناسبة الخاصَّة التي بسببها أُقيم هذا الاحتفال؟
فقالت إحداهما: إننا نقيم حفل ميلاد لطفلٍ في أسرتنا، فقد أكمل السنتين اليوم·
فتلفتت الصديقة حولها باستغراب شديد، ثم سألت: ولكن أين الطفل؟!
فأجابت أُمُّهُ: لقد تركتُهُ في بيت والدتي، لتعتني به ريثما تنتهي الحفلة، فلو أحضرناه معنا ما أمكننا أن نفرح ونمرح، ونلهو ونرقص!
أمرٌ مضحك! أَليس كذلك؟! احتفالٌ بذكرى ولادة طفلٍ لا يُرحَّب به فيه!!
ولكن إذا توقفنا للتفكير فيه، لا نجده أكثر غباوةً من الانشغال بعيد الميلاد المجيد، بكل ما فيه من احتفالات، بغير تذكُّر الشخص المجيد الذي يُفترض أننا نحتفي بولادته! وعلى هذا النحو يحتفل كثيرون بعيد الميلاد! إنهم يزيَّنون بيوتهم، ويذهبون للتسوّق من المتاجر والمحال، ويحضرون حفلات صاخبة مرحة، ويتبادلون الهدايا والتحيات مع مَنْ يحبونهم· وفي خِضَم الانهماكات كلها، من حضور الحفلات وشراء الهدايا والاجتماعات العائلية، يكاد يُنسي كلياً ذاك المجيد الفريد الذي يُحيىَ ذكرى ولادته!!
وكثيرون هم الذين لا يعرفون ولا يبالون بمعنى هذا العيد، فيذهبون إلي الكنيسة، ويرنمون ترانيم العيد، ويحتفلون بمباهجه على وجه طقسي على سبيل العاده فقط، ولكنهم لا يتكبّدون مشقة سؤال أنفسهم: "من هو يسوع المسيح؟ ولماذا أتى الى عالمنا هذا؟"· فلا يفكِّرون في مسؤولية إيمانهم به، وقبوله مخلِّصًا شخصيًا لحياتهم!!
بل ألا نجد النوادي والملاهي تُفتح علي مصاريعها، حيث يحتشد أناسٌ يصيحون ويلهون، ويغنون ويرقصون، وبعضهم يحتسي الخمور حتى الثمالة، ليسكروا فيخرجوا هائمين صاخبين في الشوارع· ويا لها من طريقة غريبة للاحتفال بميلاد أكمل وأعظم وأقدس شخص عاش على هذه الأرض!!
والحقيقة الواضحة إن مغزى ولادة الرب يسوع المسيح ما زال يلقى الإهمال!! ويبدو أن معظم الناس قد فاتهم المغزى الكامل لحياة المسيح وموته وقيامته· إنهم لم يعرفوا من هو المسيح! ولم يعرفوا أنه جاء لكي يُخلَّصنا، ولكي يُبعد عنا خطايانا بعيدًا!
ومع أن ملايين الناس، في كل العالم، يحتفلون بذكرى ميلاد المسيح، يبدو أن قليلين يدركون المدلول الحقيقي لمجيء المسيح إلى عالمنا· فنحن نعرف أن ولادة المسيح كانت آية فائقة للعادة، ليس فقط لأنه وُلِد من عذراء، ولكن أيضًا لأن وليد العذراء في بيت لحم لم يكن سوى الله ظاهرًا في جسد بشريّ· وبولادته جاء الله غير المحدود، إلى الإنسان المحدود، مُعلنًا محبة الله التي ليس لها حدود· وقد كانت حياته أيضًا فريدة، لأنه الشخص الوحيد الذي عاش علي هذه الأرض بلا خطية· وكذلك أيضًا كان موته غير معتاد؛ فالمسيح لم يمُت شهيدًا، ولا بذل حياته ليقدَّم لنا قدوة فحسب· إن في الأمر أكثر من ذلك كله بكثير· لقد جاء الرب يسوع إلى هذا العالم ليكون هو مُخلِّصنا! وقد قال هو نفسه إنه «جَاءَ لِكْيْ يَطلُبَ ويُخَلَّّصَ ما قد هَلَكَ» (لوقا19:10)· ولكي ما يُخلَّص الرب يسوع العالم، كان ينبغي أن يموت عنه· وقد جاء - تبارك اسمه - وعاش الحياه الكاملة، ثم مات على الصليب الميتة الرهيبة التي كان ينبغي أن نموتها نحن· فالغرض الحقيقي من مجيء المسيح طفلاً إلى هذا العالم هو أن يموت ليؤدي عقوبة الخطية·
نعم، لقد جاء ليبذل نفسه فدية مصلوبًا على صليب الجلجثة، مُقدِّمًا لنا بدمه صَفحًا شاملاً وتطهيرًا كاملاً، مجانًا، بنعمته الغنية المتفاضلة· ولأنه مات ثم قام من بين الأموات تاركًا قبرًا فارغًا، فهو يقدم الآن غفران الخطايا ويقين الحياة الأبدية لكل من يؤمن به (يوحنا3:36؛ 5:25؛ 11:25 ، 26)·
فيا صديقي العزيز: إنني أتعجب مِمَّنْ يحتفل بولادة المُخلَّص وهو بعد في خطاياه!! فإن أفضل طريقة يُكرَم بها وليد العذراء هو أن تَقبَلَه الآن مُخلِّصًا لك بعدما مات لأجلك· وفي غمرة انشغال الناس بموسم أعياد الميلاد، ليتك تخصِّص وقتًا لتتذكر ما عمله المسيح لأجلك، متعجِّبًا ومتهيّبًا وشاكرًا إنه وافى أرضنا ليموت من أجلك لينقذك من الموت الأبدي· ولقد أكمل العمل، وها هو الآن جالسٌ عن يمين الله، مُخلِّصًا مُحبَّاً قديرًا مجيدًا، وسيعود يومًا ظاهرًا بمجده الفائق الرفيع· وهذه هي البشارة الجليلة التي ينبغي نشرها في كل مكان· ويالها من رسالة مباركة مناسبة لا لأعياد الميلاد فقط، بل لكل يومٍ من أيام السنة·
فهل قبلت هدية الخلاص من يد الله؟ إن كان لا، فاقبلها اليوم، فيكون هذا يوم ولادتك الروحية (يوحنا3:3-8)؛ عندئذٍ تختبر مغزى مجيء المسيح طفلاً إلى هذا العالم·
جاءَنا طفلاً في مِذْوَدْ |
سائرًا إلى الصليبْ |
بهِ تَمَّ كلُّ مَوْعِدْ |
أكملَ الفِدا العجيبْ |
فَهَلُمَّ بالسُّجودِ
|
بُخشُوعٍ مُستَدِيمْ
|
قدَّسوا ربَّ الجُنودِ |
فَهْوَ السَّيدُ العظيمْ |