عَبَرَ حبقوق في ثلاثة اختبارات سجَّلها في نبوته:
أولاً: الحيرة والتساؤلات (الأصحاح الأول)
رأى حبقوق المشاكل الحادثة بين شعبه، وتعجَّب من تأني الرب في قصاصهم؛ فعبَّر عن حيرته بمجموعة من التساؤلات...
حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ لِمَ تُريني الإثم والجور والاغتصاب والظلم؟ أما تُبالي يا رب؟!
فأجابه الرب بأنه يرى كل شيء، وأنه يُعِدَ الكلدانيين ليؤدِّب بهم الشعب. كانت إجابة الرب بمثابة صدمة لحبقوق، زادت من حيرته فتساءل مرة أخرى: ألست أنت منذ الأزل يا رب الإله القدوس؛ فكيف تستخدم الشرير ليبلع من هو أبر منه؟!
كانت أحكام الرب عالية فوقه.. فماذا فعل؟!
ثانيًا: الترقـُّب والانتظار (الأصحاح الثاني)
صعد إلى الحصن وانتصب على المرصد، مراقِبًا الرب، منتظِرًا إجابة.. «فأجابني الرب»: أي حينئذ أجابني الرب.. ماذا قال له؟
«اكتب الرؤيا، وانقشها على الألواح لكي يركض قارئه. لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد، وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانًا ولا تتأخر».
أراه الرب رؤية، أي أعطاه نبوة عما سيفعله في الأيام القادمة. فهو قد أقام الكلدانيين ليؤدِّب بهم شعبه، لكنهم هم أنفسهم لن يفلتوا من عقابه. ثم يذكر له الرب الخطايا التي كانوا متورطين فيها، وما أشبهها بخطايا الناس اليوم: الخمر والسُكر، الطمع، المكسب الحرام، الظلم والعنف، الفساد الأخلاقي، عبادة الأوثان... كل هذه لن تفلت من عقاب الرب.. وهل تم هذا فعلاً؟! نعم، فلسبب انتشار هذه الشرور سقطت الامبراطورية الكلدانية، وهي في أوج مجدها، على أيدي الفرس حوالي سنة 539 ق.م. وتمت كلمات الرب التي دونها حبقوق في الأصحاح الثاني.
ثم يأخذ الرب نظر النبي إلى المستقبل، عندما تمتلئ الأرض من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر؛ وهذا سيتم عندما يأتي مُلك المسيح على هذه الأرض.
طلب الرب من حبقوق أن يكتب الرؤيا، وأن ينقشها على الألواح، لأهميتها، وتأكيدًا لصدقها، وحتى تولِّد فيمن يقرأها طاقة ونشاطًا فيجري ليخبر الآخرين به.
لكن الرب أكّد لحبقوق أمرًا هامًا: «الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب». أي أن النبوة التي نقشها على الألواح لها ميعاد، وعليه أن ينتظر تحقيقه. ومن المؤكد أنها ستتم: «ستأتي أتيانًا ولا تتأخر». نعم، كل كلمة من الله صادقة، ولها توقيتها، وستتم؛ حتى ولو بدا للناس إنه لن يحدث شيء، لكن علينا أن ننتظر بصبر إتمام أقوال الرب.
إن المسيح آتٍ، حتى ولو بدا عكس ذلك،
فإنه «بعد قليل جدًا سيأتي الآتي ولا يبطئ» (عبرانيين10: 37).
أما أنت يا حبقوق فعليك أن تحيا بالإيمان وبالأمانة، وسط عالم الشر والفجور لأن «البار بإيمانه يحيا».
ثالثًا: الصلاة ثم التسبيح
خصّص حبقوق ما تبقى له من وقت في سكب قلبه أمام الرب، متأمِّلاً في معاملاته السابقة مع شعبه. واسترجع في ذهنه سلطانه وقوّته عَبْرَ السنين: قدرته التي ظهرت عند شقّ البحر الأحمر.. مجده الذي ظهر عند إعطاء الناموس في سيناء.. عظمته في قيادته للشعب في البرية.. ثم عند عبور الأردن.. ثم في امتلاك الأرض.. ثم تخليصه لهم من أعدائهم.. وأخيرًا ما سيفعله مستقبلاً تحت حكم المسي.
كل هذه ملأت قلبه باليقين أنه حتى ولو بدت الأمور محزنة في ظاهرها، حتى لو أدّب الرب شعبه لشرورهم تأديبًا شديدًا، حتى لو تلاشت كل مظاهر الرفاهية واختفت موارد الرزق اليومية؛ فإنه سيفرح بالرب.. ومن هنا بدأ يرنم.
هذا اختبار رائع نحتاجه جميعنا في هذه الأيام الصعبة.
لكن كيف؟ هل يمكن هذا؟ هل يمكن أن اختبره؟!
كيف يمكن أن أفرح بالرب رغم المفشلات والمحبطات؟!
أولاً: أن أكون قد اختبرته كالمخلِّص من الخطايا أولاً، ثم اختبره كالمخلِّص من الضيقات والمشاكل. «افرح بإله خلاصي».
ثانيًا: أن أكون في شركة واتصال دائم بالرب: «إني ابتهج بالرب». مواعيده تبهجني.. كلمته تفرحني.. روحه يعينني.
ثالثًا: أن أختبر قوة الرب تعمل في حياتي: «الرب السيد قوتي». متى كان سيدًا على حياتي سيمنحني قوّته في مواجهة الصعاب التي تعترض طريقي. سيجعلني كالغزلان التي تتسلق الجبال، رغم وعورتها وصعوبتها، حتى تصل لأعلى، ثم هناك فوق المرتفعات تتمشى في نصرة وانطلاق.
آمين