هذا سؤال وجَّهه أحد الفريسين، وهم الجماعة التي تهتم كثيرًا بحرفية الوصايا والتعاليم أكثر جدًا من تطبيقها عمليًا في الحياة العملية. وقد كان غرضه من السؤال ليس الاستفادة الفعلية والتعلم من الرب يسوع، بل أن يختبره ويجرِّبه. وفي الحقيقة هذا سؤال هام، ما زال يسأله كثير من الناس حتى الآن، وخاصة هؤلاء الذين يفتشون عن إرضاء الله ولكن بطرقهم الخاصة التي منها:
1- حفظ وممارسة بعض الوصايا والفرائض الدينية:
يظن البعض أن الإنسان يستطيع أن ينال رضى الله عن طريق بعض الممارسات الدينية الصحيحة، وخاصة التي يُعتبر أن لها الأولوية على غيره. ونسي أن القانون الإلهي من البداية هو «أجرة الخطية هي موت»، وليس أجرة الخطية تنفيذ بعض الوصايا الدينية. وبحق قال إشعياء قديمًا «كثوب عدة (نجاسة) كل أعمال برنا» (إشعياء64:6).
2- إعطاء أهمية لبعض الوصايا عن البعض الآخر:
يتعامل البعض مع الله كما يتعاملون مع القوانين الأرضية، فيعطون لبعض القوانين والوصايا أهمية كبرى باعتبارها الأهم، ويضعون البعض الآخر في المرتبة الثانية باعتبارها أقل أهمية. وهذا مخالف للقانون الإلهي الكامل، لهذا نقرأ القول «من نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلّم الناس هكذا؛ يُدعى أصغر في ملكوت السماوات» (متى5:19)، وأيضًا «من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرمًا في الكل» (يعقوب2:10).
3- الالتزام بالمظاهر الخارجية للتدين:
يظن البعض أنه يستطيع أن يرضي الله عن طريق الالتزام بالفرائض والممارسات الدينية الخارجية، ونسي تمامًا أن الله يهمّه داخل الإنسان أولاً. لذلك نقرأ كثيرًا عتاب الرب لشعبه قديمًا بالقول «هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه وأكرمني بشفتيه وأما قلبه فأبعده عني» (إشعياء29:13).
هذا وضع الناس ولكن ماذا كانت إجابة الرب يسوع على هذا السؤال؟
«تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك؛ هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء» (متى22:37-40).
ماذا يريد الرب أن يقول لنا؟
1- الله يريد العلاقة الشخصية وليس الأعمال الخارجية:
إن الله يهمه الإنسان، ويريد أن يمتّعه بحياة صحيحة سعيدة. إنه ليس مجرد حاكم يهمّه تنفيذ قوانين ووصاي. لذلك يركِّز الله على أهمية العلاقة الشخصية معه أولاً لذلك، تقرأ القول «يا ابني أعطني قلبك ولتلاحـظ عـينـاك طـرقـي» (أمثال23:26).
2- العلاقة الصحيحة مع الله تبدأ من القلب:
أي الكِيـــان الداخلي للإنسان. وهذا يُثير سؤالاً هامًا: هل يمكن أن الله يَدخُل قلبًا غير طاهر ونظيف؟! إن الإنسان بالطبيعة قد تنجّس بالخطية ويقول بولس الرسول «إني أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أي فـي جسدي، شـيء صالح» (رومية7:18)، لذلك يصرخ داود قديمًا بالقول «قلبًا نقيًا أخلق فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدِّد في داخلي» (مزمور51:10). وهذه هي نقطة البداية؛ عندما يأتي الإنسان معتمدًا على دم المسيح واثقًا في القول «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من كل إثم» (1يوحنا1:9).
3- العلاقة الحقيقية مع الله أساسها وطابعها المحبة:
بعد أن يتطهّر القلب بدم المسيح سوف نختبر عمليًا الحصول على طبيعة جديدة، يسكن فيها الروح القدس الذي يسكب محبة الله في القلب، والتي تصبح هي أساس علاقتنا الجديدة مع الله، كما يقول الكتاب «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا» (رومية5:5).
4- المحبة الصحيحة ليست فقط بالكلام واللسان بل بالعمل والحق.
إن محبة الله، التي انسكبت في قلوبنا، تظهر في تصرفات عملية، وليست هي مجرّد مشاعر وعواطف وكلمات جميلة، بل يجب أن تظهر عمليًا في تصرفاتنا تجاه الله والناس:
من جهة الله:
تحب الرب إلهك من كل قلبك: إن القلب تعبير عن كِيان الإنسان الداخلي، ومكتوب عنه أن «منه مخارج الحياة» (أمثال4:23). وهذه هي البداية الصحيحة للحياة مع الله. وهنا يأتي السؤال: ماذا يسيطر على كِياننا الداخلي؟ هل لله المكانة الأولى في القلب؟ هل له كل الكِيان أم يشاركه شيء آخر؟
ومن كل نفسك: النفس تعبير عن إرادتنا الداخلية، التي تظهر في سلوكنا الشخصي على الأرض. فهل إرادتنا وتصرفاتنا في طاعة كاملة لله؟ هل تستطيع أن تقول دائمًا مع بولس الرسول «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟» (أعمال9:6).
ومن كل فكرك: إن الفكر هو الذي يحرِّك الإنسان في سلوكه وتصرفاته. وهنا نتسأل هل أفكارنا بالكامل مصدرها الرئيسي هو الله؟ هل مشغوليتنا الأولى في أفكارنا هي بالله؟ أم سمحنا للعالم بمبادئه أن يكون له مكانًا في عقولنا؟
من جهة الناس:
تحب قريبك كنفسك: إن المحبة الصحيحة تظهر عمليًا، من الجانب الآخر، في تعاملنا مع الآخرين. إن الإنسان الطبيعي يتمركز حول نفسه، أما الذي وُلد من الله وانسكبت فيه المحبة الإلهية؛ سيتحوَّل عن نفسه إلى الآخرين، فيحبّهم كما يحبهم الله، وهكذا يُظهر اهتمامه بهم كما يهتم بنفسه من كل جانب، ويطبق عمليًا القول «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا» (غلاطية5:13).
في النهاية دعونا نتذكر دائمًا قول الكتاب: «لنا هذه الوصية منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضًا» (1يو4:21).