ظننت أن "الأكبر" هو الاسم الثاني له، أو اسم العائلة، ولكن الأمر هو أن حاشيته والمحيطين به قد أعطوه هذا اللقب "The Great"· لقد اعتبروه كبيرًا وعظيمًا· وفي الواقع أن الإسكندر كان هو الأمهر في كونه قائدًا حربيًا فذًّا، غزا من دول العالم ما لم يغزُه أحدٌ قبلهُ ولا بعدهُ· وقد سبق الكتاب المقدس وأخبر عنه قبل ذلك بعشرات السنين في نبوة دانيآل 8:5 ، 8 ، 21 مرموزًا له بتيس المعز مسمّيًا إياه «القرن العظيم»·
لقد تولى الإسكندر حُكم اليونان شابًا صغيرًا، خَلَفًا لوالده الملك "فيليب"، وقاد الإغريقيين ببراعة فائقة في حربهم ضد مملكة فارس - المرموز لها في النبوة بالكبش صاحب القرنين الذي لم يقف حيوانٌ قُدامه - والتي كانت تمسك بمقاليد الأمور في ذلك الوقت، فألحق بهم هزيمة نكراء «فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه، فلم تكُن للكبش قوة على الوقوف أمامه، وطرحه على الأرض وداسه، ولم يكن للكبش منقذ من يده» (دانيآل8:7)· فغزا الإسكندر تركيا وسوريا وفينيقية ووصل إلى الهند وأفغانستان· وأتى إلى مصر عام 332 ق·م، وسلّمها الوالي الفارسي له دون مقاومة تُذكَر· واستقبله المصريون بالترحاب كمخلِّص لهم· ويذكر التاريخ أن الإسكندر أتى إلى منطقة الساحل الشمالي في عُطلة بعد انتصاره على إمبراطورية الفرس، وبعد اجتيازه صحراء سيناء وصل إلى نهر النيل، وسار بمحاذاته حتى وصل إلى شاطئ البحر المتوسط، حيث وجد قرية صيد صغيرة تُدعى "فاروس" تطل على جزيرة "راكوده"، فأُعجب الإسكندر بالموقع أيّما إعجاب، فقرر بناء مدينة جميلة في هذا الموقع الساحر؛ فأسّس مدينة الإسكندرية الرائعة (وهي واحدة من تسعة مدن بناها تحمل اسمه، غير عدّة مُدن أخرى على مستوى العالم تحمل الاسم نفسه)·
كان هذا التيس عافيًا (عنيفًا) كما سبق فأُخبر عنه (دانيآل8:21)، وكان ذا قدرات حربية فذّة استطاع بها أن يصير حاكمًا للعالم في وقت قصير، حتى حيكت حوله الأساطير في زمانه، فأُشيع أن والده هو الإله الأسطوري "زيوس"·
لكن لم يلبث الإسكندر (كبيرًا)
إلا قليلاً، وكان مجدهُ قصير الأجل· فقد ادّعى الإسكندر، في جنون العَظَمَة، أنه ابن الآلهة وأن صوتًا قد ناداه ليذهب إلى واحة سيوة ويزور معبد آمون رع، حيث نصّب نفسه إلهًا بمساعدة كهنة المعبد، وطلب أن تؤدَّى له فرائض التكريم والتعظيم التي لا تقدَّم إلا لله· وأنغمس في حياة الفجور واللهو· وسرعان ما لحق به القضاء الإلهي سريعًا، فاصابته حُمّى مميتة، فصار يهذي حتى مات في شرخ الشباب (32 عامًا) عام 323 ق·م· إن الله لا يعطي مجده لآخر (إشعياء42:8)· لقد تعظّم تيس المعز جدًا، ولما اعتزّ انكسر القرن العظيم وطلع عوضًا عنه أربعة قرون (دانيآل8:8)؛ وهكذا انقسمت مملكة الإسكندر ووُّزعت على أربعة من قواده كما ذُكِر في النبوة·
لقد دعى البشر الإسكندر عظيمًا· ناقش أحد الكتب التي تتكلم عن حياته 33 سببًا لعظمته جميعها يتعلق بمولده، عائلته، تعليمه (إذ كان أحد تلامذة أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير)، غزواته وانتصارته··· الخ·
إلا أنَّ المؤكَّد أنه لم يكن في نظر الله إلا تافهًا صغيرًا «الذين يحتقرونني يصغرون » (1صموئيل2:30)·
إن للعظمة في كلمة الله معنى آخر يختلف تمامًا عن ما كان عليه الإسكندر وغيره ممن دعاهم العالم عظامًا· فالعظمة في تقدير الله هي:
1· أن تكون خادمًا
صدقني يا صديقي ان هذا المعنى لم يخطر أبدًا على بال من لم يعرف تعاليم المسيح· إنه لَيبدو غريبًا على مسمع الإنسان الطبيعي، أو حتى المؤمن الجسدي، ما أخبرنا به السيد في هذا الشأن: إن رؤساء الأمم يرون العظمة في السيادة (مرقس10:42)؛ فهم يعتقدون أن العظمة تزداد بمقدار ما ازدادت مساحة سلطتك، وكثُر اتْباعك ومُريديك، ومَن يتودّدون إليك مخبرين إياك أن "أحلام سيادتك أوامر"·
قد وضّح لنا سيدنا أن ليس العظيم هو صاحب النفوذ والقوة، أو صاحب الأموال والأملاك، كما أنه ليس هو التاجر المشهور، أو المرنم المعروف· بل سوف تكون عظيمًا بمقدار ما تكون خادمًا (ليس واعظًا) «من أراد أن يصير فيكم عظيمًا، يكون لكم خادمًا» (مرقس10:43)، فتخدم الجميع تاعبًا لأجلهم، مُطيعًا لقول الكتاب «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا» (غلاطية5:13)· بل أن تصل في خدمتك للجميع إلى حد أن تصير عبدًا لهم «من أراد أن يصير فيكم أولاً، يكون للجميع عبدًا» (مرقس10:44)· وليس ذلك فحسب بل أن نصل في محبتنا لإخوتنا إلى حد أن نضع نفوسنا لأجلهم إن لزم الأمر (1يوحنا3:16)·
2· أن تكون عامِلاً لا متكلـِمًا
لم يطلب منا المسيح أن نكون خُدّامًا لإخوتنا دون أن يقدِّم نفسه كالمثال الأعظم في الخدمة «لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم» (مرقس10:45)· لقد كان المسيح مقتَدِرًا في الفعل والقول (لوقا24:19)· فهو لم يعلِّمنا قَطّ تعليمًا لم يفعله، بل فعل قبل أن يتكلم، لذا فقد علّمنا: «إن مَنْ عَمِلَ وعلَّمَ فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات» (متى5:19)· فالعمل يسبق التعليم لذا فلنحذر من أن نكون كثيري الكلام، قليلي التنفيذ·
لقد ذكَّر الرسول بولس ابنه تيموثاوس أنه قد اتبع، لا تعليمه فحسب، بل أيضًا سيرته (2تيموثاوس3:10)؛ ومن ثَمّ يحرِّضه أن يلاحظ نفسه، أولاً، ثم التعليم ثانيًا (1تيموثاوس4:16).