الكلام مثل الورود المتعدِّدة الألوان، والمختلفة العطور، التي تخطف الأبصار، وتنعش الصدور.
فليتنا نقطف أجمله، وننشر أعطره، ولا نقُل إلا أفضله.
في الحلقتين السابقتين تكلمنا عن الكلام الحسن، والكلام المستقيم، وفي هذه الحلقة حديثنا عن:
الكلام الصالح
«فاض قلبي بكلام صالح» (مزمور45:1)
هو أحلى كلام يمكن أن يُقال، هو له وعنه بل ومنه. فإلهنا صالح ومستقيم (مزمور25:8) وهو الراعي الصالح (يوحنا10:11) الذي بذل نفسه عن الخراف.
والحديث حلو، وممتع، وممتد عن: يده الصالحة (عزرا 7:9)، وإرادته الصالحة
(رومية12:2)، من كلمته الصالحة (عبرانيين6:5)، لأن رحمته صالحة (مزمور69:16)،
وحكمته صالحة (جامعة7:11)، وعطاياه صالحة (يعقوب1:17)، وأيضًا أجرته
صالحة(جامعة4:9).
يا لسعدي فالرب صالح
كثيرًا ما كنّا في أسوإ الحالات الإنسانية، وتوقّعنا العقوبات والتأديبات الإلهية، فإذ بالله يأتي ومعه البركات والإحسانات، بل والعواطف الأبوية، والكلمات المُشجعة المُعزّية. إننا نرى ذلك بوضوح في معاملة الرب مع يعقوب، الذي ظل 20 سنة في بيت خاله الوثني لابان لم يبنِ مذبحًا، ولم يصلِّ صلاةً، ولم يشهد أن له إله حي يعبده ولا مرة واحدة. بل استعمل الدهاء والمكر في أمر ولادة الغنم (تكوين30:39)، وأخيرًا خدع خاله مستغِلاً غيابه، وهرب دون علمه، آخذًا معه امرأتيه وأولاده وغنمه. وعندما عَلِمَ خاله، سار وراءه مسيرة سبعة أيام، فأدركه في جبل جلعاد. وكان في قُدرة يده أن يصنع به شَرًّا، لكن آتى الله إليه في حُلم الليل وقال له: «احترز مِن أن تكلّم يعقوب بخيرٍ أو شرٍّ» (تكوين31:24).
«وأما يعقوب فمضى في طريقه ولاقاه ملائكة الله» (تكوين32:1).
فإذا كان الله صالحًا هكذا وجب علينا أن نحمده ولا نقول إلا ما هو صالح.
ومن لا يحمد الصالح يقينًا ليس بصالح، بل وعلينا أيضًا «أن نعمل الصالح»
(أفسس4:28)، ولا يخرج من أفواهنا إلا «كل ما كان صالحًا للبنيان حسب الحاجة كي يعطي
نعمة للسامعين» (أفسس4:29).
دعونا نعمل الصالح ونتكلم بالصالحات
جاء في الأساطير أنه كانت هناك أختان؛ واحدة جميلة وشقراء، والأخرى قبيحة ذات أنف ضخم وشفاه غليظة. الأولى تفتخر دائمًا بجمالها، والأخرى لا تجد ما تفتخر به. أرسلت الأم ابنتها القبيحة لتملأ الجرة من البئر، وحذرتها، كالعادة، من التأخير وإلا فنصيبها العقاب. فأخذت الفتاة الجَرّة وهي حافية، تشق طريقها نحو البئر عبر الرمال الحامية. وبعد أن ملأت الجرّة، حملتها على رأسها العاري وهي تسرع الخطى خوفًا من العقاب. وبينما كانت تتلوى من الأرض الساخنة، إذ برجُل شيخ يعترض طريقها وهو يلهث من العطش، يطلب منها أن تسقيه قليل ماء من جرته. شعرت الفتاة أنها أمام تحدٍّ كبير: فالتأخير ثمنه العقاب، وأما إن سقت العجوز فذلك له أجر وثواب. فقرّرت أن تسقيه مهما كان الثمن.
فأنزلت جرتها، وعلى يديها حملتها، ونحو فم العجوز أمالتها، وهي تقول له: تفضل يا
سيدي اشرب.
وبينما كان يقترب منها، تغيّرت هيأته، إذ نبتت له أجنحة وارتفع عن الأرض في ملابس بيضاء بهية في هيئة ملائكية، وقال للصبية: اذهبي بسلام يا بنيتي، فكل كلمة تخرج من فمك يخرج معها جنيهًا ذهبيً. إندهشت الصبية وهي تقول له: شكرًا شكرًا، وإذ بجنيهان ذهبيان يخرجان من فمه. عادت الفتاة بسرعة إلى بيتها، والجميع في انتظارها، ليعرفوا سبب تأخيره. بادرتها أمها بالسؤال: لماذا تأخرت؟ فقصّت الفتاة ما حدث لها، وكانت الجنيهات الذهبية تخرج من فمه.
فألتف حولها الجميع راغبين في التحدث معها للفوز بالجنيهات التي تخرج من فمه.
فلما رأت الأم ذلك أرسلت ابنتها الشقراء لعلها هي أيضًا تفوز بإنعام السماء. كانت الفتاة الجميلة من ذوات الملابس القصيرة، والألسنة الطويلة؛ فتزيّنت، وتجمّلت، وحملت إبريقها الفضي على رأسها، ودسّت رجليها في شبشبها المزيَّن بالترتر اللامع، وانطلقت نحو البئر، فملأت ابريقه. وفي طريق عودتها صادفتها امرأة عجوز ملابسها رثّة، وشكلها قذر؛ وطلبت من الجميلة قليل ماء من إبريقه. فانتهرتها الفتاة بوابل من الشتائم والكلمات الصعبة وهي تقول لها: "أنتِ تضعي بوزك القذر في ابريقي الفضي، هذا هو المستحيل عينه". وفي لحظات تغيّرت هيئة العجوز، وصارت ملاكًا، قالت للفتاة: "اذهبي ولتخرج مع كل كلمة تنطقينها ثعبانًا". فأجابتها الفتاة وهي تقول: "اخرسي اخرسي". واذ بثعبانين يخرجان من فمه. اسرعت الشقراء إلى بيتها، والجميع في انتظاره.
فراحت تشكي، وتبكي، والثعابين من فمها تجري.
اعزائي الشباب:
في إنجيل متى12، شفى المسيح مجنون أعمى وأخرس. حتى إن الأعمى الأخرس تكلم وأبصر، فلما سمع الفريسيون قالوا: «هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين»، لقد صنع المسيح خيرًا فلم يقدروا أن يتكلموا كلامًا صالحًا لذلك قال لهم : «يا أولاد الافاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار. فإنه من فَضْلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرِجُ الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرِجُ الشرور. ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين.
لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان» (متى12:34-37).
مكان صالح لنبدأ به
ذهب خادم الرب ليحضر أحد الاجتماعات يوم الأحد صباحًا، واصطحب ابنه معه، وبعد الاجتماع انصرف. وفي الطريق قال الابن لأبيه: "لقد أعجبتني الخدمة يا أبي في هذا الصباح". فشكره الأب وقال له: ما الذي تذكره من الخدمة؟ قال الابن: الشاهد الذي ذكرته «فجاء به إلى يسوع» (يوحنا1:42). فقال الأب ومن ذا الذي تنوي أن تحضره إلى يسوع؟ فأجاب الابن: "حسنًا يا أبي أن أبدأ أنا بنفسي!". يا له من جواب بريء من ابن جريء!
هذا هو المكان الصالح لنبدأ به، أن نأتي إلى الرب يسوع، فيجعل قلبنا صالحًا، وأعمالنا صالحة، وكلامنا صالحًا للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين. (آمين)