رأينا في أعدد سابقة بعض أنواع المحبة، ثم رأينا حب سن المراهقة وعلاقته بالشهوة والهوى. وفي هذا العدد نجيب عن بعض الاستفسارات عن علاقة حب المراهقة ببعض العلاقات الإنسانية.
الزواج هو المكان الوحيد لممارسة الحب بطريقة صحيحة. لكن الدافع الرئيسي للحب في سن المراهقة، في الأغلب، هو التنفيث عن الرغبات الداخلية، وشعور الشاب والشابة بكينونتهم، واستمتاع كل منهم بقبول الطرف الآخر له، واستمتاعه أيضًا بمعاناة البحث عن الطرف الآخر وانتظاره. لكن نادرًا ما يكون الاحتياج للزواج والبحث عنه هو الدافع لذلك. لذا فهو حب لا يصلح للزواج ولا يؤدي له، للأسباب الآتية:
أولاً: التوقيت غير مناسب
- العواطف في هذه المرحلة العمرية غير ناضجة ومضطربة، وتتأثر بعوامل غريزية كثيرة تجعلها مشتعلة. فالشاب يكون أحيانًا سعيدًا وأخرى حزينًا، في أوقات هادئًا وفي أخرى منفعلاً؛ بدون معرفة الأسباب. فهي عواطف أبعد ما تكون عن النضوج.
- التقييم الذهني أيضًا غير ناضج، فقياساته واختباراته مزعزَعة، نظرًا لأن العواطف غير مستقرة والدوافع الغريزية المشتعلة تعيق التقييم الذهني الصحيح، وما يختاره اليوم بإرادة يمكن أن يرفضه غدًا بإرادته أيضً. كل هذا يتغير تمامًا بوصوله مرحلة النضوج.
- يعتمد الشباب تمامًا في هذه السن على والديهم في الدعم المالي لهم، ولا يكون عندهم أية إمكانيات شخصية للعيشة به.
- هذه الأمور ليست عيبًا في الشاب أو الشابة، وليست متواجدة في مجموعة من الشباب في هذا السن دون غيرهم، بل هذا ما يميز الكل، فهي مرحلة نمو طبيعي؛ فالطفل يفكر كطفل، والمراهق كمراهق، والرجل كرجل «لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن. ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل» (1كورنثوس 13:11).
- لكن الزواج يحتاج إلى نضوج عاطفي، ونضوج ذهني، وأيضًا إمكانيات مادية مناسبة، وقدرة على اتخاذ القرار السليم، ورجولة من كل النواحي ليتم في الشاب القول: «يترك الرجل أباه وأمه (فلا يعتمد عليهما ماديًا أو نفسيًا)» (تكوين2:24). وبالتالي فالتوقيت غير مناسب للزواج مطلقً.
ثانيًا: الطريقة غير مناسبة
- الطريقة الصحيحة في اختيار شريك الحياة للشاب المؤمن أو الشابة المؤمنة هي أن يكون للرب الدور الأساسي في قيادة خطوات الشخص إلى شريك حياته. لأن كل الإمكانيات الإنسانية، والكفاءات البشرية وحدها، دون يد عُليا ومشورة عُليا؛ غير قادرة على الاختيار السليم. والكتاب يعلِّمنا أن الله، في عنايته الفائقة، وهو الذي يعرف الداوخل ومَن يناسب مَن، رتَّب في حكمته ومحبته، أن يكون لكل شاب فتاة مناسبة له معيَّنة من عند الرب، وكذلك لكل شابة الشاب المعيَّن لها من الرب «الفتاة التي عيّنتها لعبدك» (تكوين24:14).
- كما أن للأهل دورًا كبيرًا وهامًا جدًا في اختيار شريك الحياة. كان لإبراهيم الدور الأكبر في زواج إسحاق. وكان لأهل رفقة الدور الأول في الموافقة على زواجها من إسحاق. كما أن شمشون، الذي لم يسمع نصيحة والديه وأصر على رأيه (قضاة14؛ 16)، أساء الاختيار في أكثر من شيء؛ الأمر الذي أنهى حياته نهاية تعيسة عن طريق واحدة من الذين سقط في فخاخ ما يسمّى بالحب معهم.
- الارتباط العاطفي والحب قبل الاختيار، من ناحية سيعيق الشاب عن معرفة مشيئة الرب؛ فلن تكون عينه بسيطة. وستكون مشاعر الحب في كيانه مسيطرة، تجعله يُصِّر على الاستمرار في طريقه؛ فلن يختبر «ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة» (رومية12:2). ومن ناحية أخرى سيؤدّي إلى التمرد على نصيحة الوالدين وعدم الانصياع لها، حتى لو كان مقتنعًا بصحتها، بل سيكون لسان حاله: «إياها خذ لي لأنها حسنت في عينيَّ» (قضاة 14:3).
الحب والصداقة
-
لأن الزواج قد يكون سببًا غير منطقي للبعض، وربما للكثيرين في هذه السن، كالغرض الرئيسي من الحب؛ لذلك يعتقد كثيرون أن العلاقة بين الفتى والفتاة هي نوع من الصداقة المشروعة.
-
والصداقة هي واحدة من أقوى العلاقات الإنسانية على وجه الأرض، مثلها مثل العلاقات العائلية وأحيانًا أقوى «الأخ فللشدة يولد... لكن يوجد (صديق) ألزق من الأخ» (أمثال17:17؛ 18:24).
-
والصديق هو من يستريح له القلب عندما يتكلم، ومن يشتاق له الفؤاد عندما يغيب، من يقتنع الفكر به وبأفكاره، من يُطمئَنّ له في الشدة، ومن تُستودع عنده الأسرار في أمانه، من يستر صديقه في أيام ضعفه، ومن ينصحه إذا احتاج الأمر. هو من يحتاج له صديقه في ظروف الحياة المختلفة. هذا الشخص، الذي يستحيل الاستغناء عنه، والملازم الدائم لصديقه؛ هل يمكن أن تقوم علاقة مثل هذه بدون محبة شديدة عميقة راسخة؟!
-
وبالتالي فإن علاقة قوية مثل هذه يمكن أن تقوم بين ولد وآخر، أو بين بنت وأخرى؛ لأن فيها نوعًا من الملازمة، فكما قيل لراعوث أكثر من مرة: «بل هنـا لازمي فتياتي... إنـه حسنٌ يا بنتي أن تخـرجي مع فتيـاته لئلا يقعوا بك» (راعوث2:8-22). لكن يستحيل أن تقوم بين ولد وبنت دون علاقة حب عاطفي ذهني جسدي قوي. وبالتالي فالوحيدة التي تصلح صديقة للشاب هي زوجته، والوحيد الذي يصلح صديقًا للشابة هو زوجه. ولا داعي لخداع المسمّيات التى تختبئ خلفها الميول الداخلية.
لكن هل هذا يعني أن الزواج والصداقة هما وجها التعامل الوحيدان بين الأولاد والبنات وتُغلق جميع أوجه التعامل الأخرى؟ ثم كيف يتعامل الشاب والشابة مع احتياجاتهم العاطفية الملحة؟ هذا موضوعنا في العدد القادم إن تأنى الرب.