هذه العبارة قالها موسى لإخوته بني إسرائيل وهم عبيد في أرض مصر، عندما خطر على باله أن يفتقد إخوته ذهب إليهم، ووجدهم يتخاصمون، فحاول أن يسوقهم إلى السلامة قائـلاً: «أيها الرجال أنتم إخـوة. لماذا تظلمـون بعضكم بعضًا؟» (أعمال7:26). وإنه بحق شيء غريب ومدهش أن الأخ يظلم أخاه! فـ«الأخ للشدة يولد» (أمثال17:17)، فيهتم بأخيه ويحبه ويضحي من أجله ولا يظلمه.
ولكن الذي كان يظلم قريبه دفع موسى، ولم يقبل التوبيخ، منه بل تحداه قائلاً: «من
أقامك رئيسًا وقاضيًا علينا؟»؛ والأكثر من ذلك أنه أتهم موسى بمحاولة قتله.
من هنا نلاحظ أن الذين يظلمون الآخرين هم متكبِّرون
وميَّالون إلى المشاكسة، ولا يتحملون أن يراجعهم أو يوجِّههم أحد، بل لديهم
الاستعداد أن يتهموا الآخرين بتهم باطلة، لذلك صلى كاتب المزمور قائلاً: «كُن ضامن
عبدك للخير لكيلا يظلمني المستكبرون» (مزمور119:122).
وقد يتعرض الإنسان أو المؤمن الحقيقي للظلم من ثلاثة مصادر:
أولاً: من أشرار هذا العالم:
فلقد ُظلم مفيبوشث من صيبا عبده عندما وشى إلى داود بكلام كذب (2صموئيل16:3؛ 19:26
، 27)، وُظلم نابوت اليزرعيلي من آخاب الملك الشرير إذ قتله وأخذ حقله (1ملوك21).
ثانيًا: من إخوته وأقربائه حسب الجسد:
فلقد قام قايين على هابيل أخيه وذبحه (تكوين4)، وقتل أبيمالك بن جدعون إخوته
السبعين على حجر واحد (قضاة9).
ثالثًا: من إخوته المؤمنين:
فلقد ظُلم أوريا الحثي من داود إذ أخذ امرأته وتسبب في قتله (2صموئيل11).
قد نُظلم من أهل العالم الأشرار؛ وهذا شيء متوقَّع. ولكن عندما
نُظلم من إخوتنا المؤمنين فهذا شيء غريب وغير متوقع بل ويكون مؤلِمًا جدًّا وجارحًا
للنفس.
وإذا حدث أن مؤمنًا ظلم مؤمنًا آخر، فلا يجوز للمؤمن المظلوم أن
يلجأ للمحاكم الأرضية، بل يلجأ إلى المؤمنين فيحكموا بينه وبين أخيه
(1كورنثوس6:1-8).
وربما يعترض مؤمن قائلاً: إنني ظُلمت من أخ ما، سواء في معاملات
تجاريه أو مالية أو اتهام كاذب، فيجيب بولس بالقول: «لماذا لا تُظلمون بالحري؟
لماذا لا تُسلبون بالحري؟»؛ فالسلوك المسيحي الحقيقي هو أن نقبل الظلم أفضل من أن
نرتكبه.
ماذا أفعل عندما أُظلم؟
أولاً: لا بد من توبيخ الظالم بشجاعة وحكمة ووداعة: وهذا
ما فعله الرب يسوع عند محاكمته إذ لطمه واحد من الخدام فأجابه: «إن كنت قد تكلّمتُ
رديًّا فاشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني؟» (يوحنا18:23).
وكذلك عندما سُجن بولس وسيلا في فيلبي من أجل المسيح وهما رجلان رومانيان (والقانون الروماني كان يوصي أنه لا بد من المحاكمة أولاً قبل السجن) فعندما أرسل الولاة إليهما أن يُطلقا، قال بولس: «ضربونا جهرًا غير مقضي علينا (أي دون محاكمة) ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن. أفالآن يطردوننا سرً. كل. بل ليأتوا هم أنفسهم ويخرجونا من هن.
فجاءوا الولاة وتضرعوا إليهما وأخرجوهما» (أعمال16:37 ، 39).
ثانيًا:
إذ كان الظلم من أخ مؤمن فيمكن إبلاغ الكنيسة: وذلك بعد أن يحاول هو معه شخصيًا
(انظر متى18:15-18)، وفي هذه الحالة لا بد أن الإخوة الروحانين والحكماء يتدخلون
ويدرسون الأمر ثم يحكمون بالعدل بين الأخ وأخيه.
ثالثًا: التسليم لمن يقضي بعدل: وهذا
ما فعله الرب يسوع الذي لم يَعمَل ظلمًا ولم يكن في فمه غش، ولكن ظُلم من الأشرار
فتذلّل؛ وهو المثال الكامل الذي ينبغي أن نتبع خطواته، «الذي إذ شُتم لم يكن يَشتِم
عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدِّد بل كان يسلِّم لمن يقضي بعدل» (1بطرس 2:23).
إخوتي.. ما أروع هذه الكلمة «بل كان يسلِّم»! فالعلاج هو
التسليم لمن يقضي بعدل، أي لله العادل كما هو مكتوب: «الرب عادل في وسطها لا يفعل
ظلمًا» (صفنيا3:5).
والرسول بطرس يشجِّع المؤمنين المتألمين ظلمًا قائلاً لهم: «لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزانًا متألِّمًا بالظلم».
(1بطرس2:19)؛ ومثال لذلك المؤمنون العبرانيون الذين تعرضوا للظلم من الأشرار الذين
سلبوا أموالهم، ولكنهم قبلوا هذا الأمر بفـرح لأنهم علموا فـي أنفسهم أن لهم مالاً
أفضل فـي السماوات وباقيًا (عبرانيين10:34).
ما هو عقاب الظالمين؟
إن نصيب الأشرار الظالمين هو الهلاك الأبدي، فيقول بولس لمؤمني كورنثوس: «أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟» (1كورنثوس6:9). وزمنيًا: لا بد أن يشرب الظالم من نفس الكأس الذي أعطاه للآخرين.
فعلى سبيل المثال عندما تعرض يوسف للضيق من إخوته، إذ ألقوه في البئر وباعوه
للإسماعليين، نجد أنهم تعرضوا للضيق عندما ذهبوا إلى مصر ليشتروا قمحًا وتذكّروا
خطيتهم.
لذلك «من يَظلِم فليَظلِم بعد» (رؤيا22:11)؛ لأننا نثق أن الله العادل يرى كل شيء ويلاحظ جيدًا، ولا بد أن الظالم سينال ما ظَلَم به وليس محاباة (كولوسي3:25).
وقد يكون في موضع الحق هناك الظُلم وموضع العدل هناك الجور، ونرى ظلم الفقير ونزع
الحق والعدل في البلاد؛ ولكن ما يشجعنا أن «فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى (الله)
فوقهما» (جامعة3:16؛ 5:8)، وأن «العلي متسلط في مملكة الناس» (دانيآل4:17).
أخي .. أختي.. احذر من أن تظلم أخاك بكلام جارح، أو كلام
كذب، أو تظلمه في الميراث أو الأموال أو التجارة، أو تغتصب شيئًا ليس لك؛ لأن الله
يرى كل شيء، وليس عنده محاباة، ولأنك ستحصد ما قد زرعته أضعافً.
ويا أخي المظلوم ... وبِّخ الظالم، وسلِّم لمن يقضي بعدل، متمثِّلاً بالمثال الكامل: ربنا يسوع المسيح الذي عندما ظُلم تذلل ولم يفتح فاه. واعلم أنك غريب في الأرض، ومجيء الرب لينهي غربتك قريب جدً. ولتكن صلاتك: «افدني من ظلم الإنسان.
فأحفظ وصاياك» (مزمور119:134).