الطيور علي أشكالها تقع


اغتاظ الفلاح جدًا من الغربان التي كانت تحوم حول زراعته ثم تنقضّ لتتلف الذُرة التي كانت على وشك النضوج. عبّأ بندقيته، وتسلل بجوار سور المزرعة بهدوء حتى أصبح قريبًا من سرب الغربان المحلِّق. أطلق رصاصته ليقتل ويصيب منهم قدر المستطاع ويدفع الباقين للهرب. وقد كان. أسرع ليرى نتيجة ما فعل، فوجد ثلاثة من الغربان قتلى. لكن لأسفه وألمه وجد طائرًا جريحًا يتخبط في دمائه؛ كان ببغاء يربيه ويحبه كثيرً. كان الببغاء قد اندفع ليصاحب الغربان في طيرانهم ليلهو معهم، ناسيًا ما بينه وبينهم من اختلافات.

حمل الفلاح ببغاءه إلى البيت. لما رآه الأولاد في البيت تساءلوا: "ما الذي حدث؟ ما الذي أصاب الببغاء العزيز؟".. أجاب الأب في حسرة: "المعاشرات الردية"، ورددها الببغاء في أسى: "المعاشرات الردية".

ثم أضاف الأب: "لقد أصابته رصاصة لم تكن له بل للغربان المؤذية. فتعلموا يا أولادي من غلطة الببغاء؛ واحذروا المعاشرات الردية".

كم من المتاعب جنينها ليس بسبب شرٍّ فعلناه، بل بسبب رفقاء لنا!

إن الناس يحكمون علينا من معاشراتن. قال أحدهم قديمًا: "قل لي من تصادق، أقول لك من أنت"، فالطيور على أشكالها تقع.

كذا لنتعلم أنه من الخطر أن نفعل شيئًا لمجرد أن الآخرين يفعلونه. اسمع أمر الكتاب: «لا تَتْبَعِ الْكَثِيرِينَ إلَى فَِعْلِ الشَّرِّ» (خروج23: 2 اقرأ أيضًا أمثال1: 10-18). فلنفحص كل شيء قبل أن نعمله، ولا نكتفِ بأن "الآخرين يفعلون ذلك".

حكى أحد العلماء كيف تتغذي بعض أنواع التماسيح، والتمساح كسول لا يخرج للصيد. إنه يفتح فمه الكبير ويبقى بلا حراك؛ فتزحف حشرة إلى داخل فمه، ثم ذبابة، تتبعهما حشرات أخرى، يعقبها سرب من الناموس، فتأتي سحلية لتستظل في ظل فمه، وهنا تقفز بعض الضفادع لتصطاد الناموس، ثم يتكاثر الناموس وباقي الحشرات؛ حتى يصبح أخيرًا في فم التمساح قرية بأكملها من الحشرات والزواحف، وكأنهم جاءوا لقضاء نزهة. فجأة يباغتهم زلزال؛ إذ يغلق التمساح فمه مستمتعًا بوجبة دسمة. كثير من المتع التي يجري إليها الأكثرين ينطبق عليها هذا المَثَل؛ إذ يبغت الباحثين عن هذه المتع الدمار والخراب فجأة، هم وكل من يسير في إثرهم.

هل لي أن أختم بقول الكتاب «لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كورنثوس15: 33).