مهنة قديمة قِدَمَ وجود الإنسان على الأرض؛ فنقرأ عن هابيل (ثاني مواليد الأرض) أنه كان راعيًا للأغنام (تكوين4: 2).
كان في المعتاد أن صاحب الغنم هو الذي يقوم برعايتها (حزقيال34: 15) أو أولاده (تكوين 29: 10؛ 1صموئيل 16: 19) أو في بعض الأحوال كان صاحب الغنم يستأجر حارسًا لها وكان يسمّى الأجير (1صموئيل17: 20؛ يوحنا 10: 13).
كانت مهمة الراعي هي أن يحافظ على حياة الغنم؛ وذلك بتقديم الطعام اللازم (بأن يقود الغنم إلى مرعى مناسب)، وتوفير الماء (من خلال بئر أو نهر)، والحماية من الحيوانات المفترسة (اقرأ تكوين 26: 18-22؛ 19: 2، 3؛ 31: 38-40؛ عاموس3: 12). ولكي يتمم ذلك كان عليه أن يتعب نهارًا وليلاً كما قال يعقوب وهو يصف مهمته «كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَاكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ». وكان يميّز الراعي السائر أمام الغنم العصا والعكاز (مزمور23: 4؛ ميخا7: 14؛ لاويين27: 32؛ حزقيال 20: 37) وكنف (جراب) الرعاة والمقلاع (1صموئيل17: 40).
ورغم أن مهنة رعي الغنم لم تكن من المهن الموقَّرة (تكوين 43: 32)، لكننا نرى في الكتاب تقدير الله لها حتى أنه نسبها لنفسه. دعونا لا ننسى أن السماء شرّفت رعاة بسطاء بأن كانوا من أوائل من سمعوا أروع بشارة بولادة المخلِّص (لوقا2: 8-14). فمقاييس البشر غير مقاييس الله.
وقد اشتغل الكثيرون من مشاهير الكتاب المقدس بالرعي مثل اسحاق ويعقوب وعاموس (عاموس1: 1). لكن لعل أشهرهم هو داود (1صموئيل16: 11)؛ ذلك الراعي الشجاع الذي الذي أنقذ شاة من قطيعه من فم أسد ودب (1صموئيل 17: 34، 35). ولأمانته هذه اختاره الله ليرعى شعبه «فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ» (مزمور 78: 70-72). والرائع أننا نسمع من فمه كلمات مزمور 23 الشهير «الرب راعيَّ» فما أروع أن يشهد راعٍ ماهر كداود هذه الشهادة عن الرب الإله الذي إذ يرعى أحباءه لا يعوزهم إلى شيء. وعنه شهد آخر أنه «كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ» (إشعياء40: 11). وقيل عنه إنه الراعي الصخر (تكوين 49: 24) والراعي الجالس على الكروبيم (نوع من الملائكة - مزمور80: 1).
فيا لسعادة كل مؤمن حقيقي بالمسيح إذ يمكنه أن يعدِّد البركات التي له في ذلك الراعي المجيد: «لاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّ. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ».
ولا زال لحديثنا بقية عن أعظم الرعاة وأكفأهم.